23وردت كلمة « الجدل» في كتاب اللّٰه العزيز في موضعين، ووردت مشتقّات من المجادلة في ثلاثة وعشرين موضعاً، ووردت كلمة الجدال في موضعين.
ينبغي قبل دراسة هذه المواضع التذكير بأن مصطلح « الجدل» - إضافة إلى أنه يعني في المنطق القياس المتأتي من المشهورات والمسلّمات - في علوم القرآن والتفسير يعني أيضاً، الاستدلال والقياس البرهاني. وعلى سبيل المثال:
1. بدر الدين الزركشي في النوع الثالث والثلاثين عقد باباً في كتابه « البرهان» تحت عنوان « في معرفة جدله » 1، أي جدل القرآن.
2. وهذا هو جلال الدين السيوطي في النوع الثامن والستين فتح باباً في كتابه « الإتقان» تحت عنوان « في جدل القرآن» 2.
وهما قصدا من الجدل « مفهوماً واسعاً» يشمل القياس الجدلي والقياس البرهاني عند المنطقيين. وقال بدر الدين الزركشي:
« وقد أفرده بالتصنيف نجم الدين الطوفيّ (ت 716 ه. ق) ، قال العلماء: « قد اشتمل القرآن الكريم على جميع أنواع البراهين والأدلة، وما من برهان ودلالة وتقسيم وتحذير يبنى من كليات المعلومات العقلية أو السمعية إلا وكتاب اللّٰه قد نطق به. .» 3.
واضح أن المقصود من هذا المصطلح ليس هو مفاهيم الجدل الأخرى كالمغالطة والسفسطة، بل هو استخدام القياس الذي يهدي الخصم إلى الحق والحقيقة وصلاح الحال والمآل، من هنا لا يمكن القول: إن الجدل أو المجادلة تقوم على المخاصمة واللّجاج المذموم، وحتّى في القرآن الكريم - حيث وردت مشتقّات هذه الكلمة في مواضع مختلفة، وفي استعمالات متباينة - لم ترد جميعاً بمعنى الخصومة والجدال المذموم.
الجدل والمجادلة في القرآن أساساً بمفهوم الاستدلال، فوردت في مواضع بمعنى الاستدلال الخاطئ والواهي الممزوج بالمخاصمة، وفي مواضع أخرى بمعنى الاستدلال الصحيح والمنطقي ذي الأساس العقلاني المقرون بالأنس والمحبة والمودّة.
وبشكل عام أن المنهيّ عنه في القرآن من الجدل والمجادلة هو اللّجاج والعناد، والاستدلال المقرون بالسفسطة لإثبات أمر باطل بعيد عن الواقع. نقول في تفسير الآية 197 من سورة البقرة: إن الجدال والاستدلال المتجه إلى إثبات الحق ليس بمنهيّ عنه في القرآن الكريم بل هو أكثر من ذلك، فقد كُلّف المسلمون جميعاً بمثل هذا الجدال والمجادلة، كما سنرى في تفسير هذه الآية:
« الحجُّ أشهر معلومات فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. . .» .
المدة لأداء مناسك الحج هي الأشهر التي عينتها الشريعة المقدسة الإسلامية، ولا يمكن أداء هذه المناسك أكثر من مرة واحدة في السنة، بينما يمكن شرعاً أداء العمرة عدّة مرات خلال أشهر السنة. والأشهر التي يمكن فيها أداء مناسك الحج على رأي الشيعة: شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة أو كل ذي الحجة 4، وأهل السّنة