168لا بيان أوضح مما رأينا. إن اللّٰه - عزّ وجلّ - يحث قارئي القرآن على دراسة تاريخ الأمم الخالية حتى يتمكنوا من استيعاب الدروس والعبر والقوانين التي تمكنهم من النصر. إن معرفة الأخطاء التي وقع فيها الأولون تمكن المؤمنين من تجنبها لأن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرّتين. كما أن استيعاب هذه الأخطاء في أسبابها لا يعفو المؤمن عن تفتيش السنن التي تمكنه من تسخير ما منَّ اللّٰه عليه . ذلك أن السنن التي خلت من قبل هي هدًى وموعظةٌ للمتقين، كما أنها بيان للناس أيضاً. وهذا يعني أن للكافر حظاً في الاستفادة من هذه السنن إن أراد ذلك.
فإن سنن النصر نجدها في كتاب اللّٰه وسنة نبيّه المصطفى وفي تاريخ الأمم السالفة، وما تقدم يجعلنا نقول بأن المسلمين عندما مضوا إلى يوم الفرقان، يوم بدر، كانوا مفعمين بالإيمان وبالوعي النظري بإمكانيّة النصر، أو على الأصح بأرجحية النصر. إذ إنهم كانوا قد استوعبوا دروس الأمم التي خلت من خلال القرآن الكريم ومن خلال قيادة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.
2 - المستوى العملي:
بدايات بدر على المستوى العملي تبدأ حسب رأينا منذ مدّة بعيدة، منذ بيعة العقبة الثانية، بيعة القتال.
أ - بيعة العقبة الثانية: كانت بيعة العقبة الأولى لا تتضمن أيّ كلام عن القتال. بينما بايع الأوس والخزرج النبيَّ في العقبة الثانية على القتال. قال النبيُّ صلى الله عليه و آله و سلم: « أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون نساءكم وأبناءكم» .
فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال:
« نعم، والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعنّك مما نمنع منه أُزُرَنا، فبايعْنا يا رسولَ اللّٰه، فنحن واللّٰه أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر» . ثم قال رسول اللّٰه بعد كلام للأنصار: « بل الدّم الدم والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم منّي، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم» 1.
هذه البيعة بحقيقتها تجميع لقوى الإيمان ضد قوى الشرك. ويوم بدر هو يوم الفرقان.
ب - الهجرة: الهجرة في حقيقتها هي الخطوة الأولى على طريق إقامة دار الإسلام في المدينة: القاعدة الآمنة التي ينطلق منها المؤمنون لقتال المشركين. وقد أحسّ مشركو قريش إحساساً حاداً خطورة الهجرة. يقول تعالى: «وإذ يمكر بك الذين كفروا ليُثبتوك أو يقتلوك أو يُخرجوك ويمكرون ويمكر اللّٰهُ، واللّٰهُ خير الماكرين» 2. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن نفراً من قريش ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا