59والقذارة هنا شيء لا يوصف. والحقيقة أن المسلم لابد من أن يخجل حينما يري أن معبداً من معابد المسلمين يكون بهذه الصورة، أفٍ للحجاج لقصورهم وأفٍ لزعماء المسلمين لتقصيرهم.
وفي مني يوقدون المصابيح ليلتين؛ لييلة الحادي عشر من ذي الحجة، وهذه الليلة تختص بالشيعة، وليلة الثاني عشر منه وهي تختص بالسنة. ويقف العسكر الشامي في هذه الليلة في مني بجانب، والعسكر المصري بجانب آخر، ويبلغ عددهم أربعمئة خيال. ووراء العسكرين يقف ألفا جندي يطلقون البنادق والمدافع والمسدسات لمدة ساعتين. أعتقد أن البارود الذي يصرف في هاتين الليلتين، لا يصرف في أي ميدان من ميادين الحرب.
المدينة: قطعنا المسافة بين مكة والمدينة في عشرة أيام. وفي اليوم العاشر من محرم، لما عبرنا عقبة صغيرة بدا سواد المدينة. وكان علي جانبنا الأيسر مسجد الشجرة، ويقع في أرض سهلة وهو ميقات أهل المدينة وتستحب فيه ركعتان، ويقول أمين الدولة: ورأيت قبة من بعيد، فسألت دليلي: هل هناك مسجد الشجرة؟ قال: لا. لأنه واقع في الطريق السلطاني، ولكن القبة الخضراء التي تراها هي قبة مسجد النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم) . فأمرت أن يوقف العماري فنزلت وأعطيت ليرات للمكاري شكراً، وأخذت أمشي، فقال دليلي الطريق بعد ولعلك تتعب، قلت: كلا. فكأني الآن أمشي علي الحرير والاستبرق. وفي المدينة أجّرنا بيتا بثلاثة ريالات فرنسية لكل يوم، وذهبنا إلي المسجد قبل الغروب بنصف ساعة، فقيل لنا لا يسمح للأعاجم أن يدخلوا المسجد بعد العصر. فذهبنا إلي البقيع فلم يؤذن لنا هناك بالدخول أيضاً.
مسجد النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم) أقصر من المسجد الحرام بكثير، والقسم الأعظم منه مسقوف، والمسجد مبني من الحجارة والآجر. بناه الملك الأشرف "قايتباي" من سلاطين الشركس. وللمسجد تسعة أبواب منها باب الرحمة، وباب التوسل، وباب النساء، وباب جبرئيل، وباب قايتباي. وفي المدينة ذهبنا إلي سفح جبل أحد، فهناك كان مقتل حمزة عمّ النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) والشهداء الذين استشهدوا في الغزوة المعروفة بغزوة أحد. وذهبناإلي مسجد قبا وفيه تحولت القبلة من بيت المقدس إلي الكعبة المشرفة. وفي طول الطريق من المدينة إلي قبا كانت بساتين النخل تتوالي، وهذا الطريق يقطعه الراكب في عشرين دقيقة. والأراضي حول المدينة قريبة إلي الماء، حيث يحفر البئر فيها في أكثر المواقع. ولما أردنا أن نرحل من المدينة حفروا في أحد المنازل الأرض وظهر الماء في عمق لم يكن أكثر من ذراع، حيث تمكنوا من الاستسقاء لثلاثة آلاف بعير وأخذوا الماء لطريقهم أيضاً.