53رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) مدة فان أجله إلي اربعة أشهر، فاذا انقضت الاربعة أشهر فان الله بريء من المشركين ورسولُه 70.
ورواه مع شيء من الاختلاف الدارمي في سننه 71.
وقد جاء في الكتاب العزيز قوله تعالي مخاطباً إبراهيم وولده اسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والرّكع السجود 72. ممّا يؤيد أنّ الحج الكامل متوقف علي طهارة بيت الله من كل ما يدنس طهارته، والمشركون نجس حسبما ورد في الكتاب العزيز فهم ممّا يجب تطهير بيت الله سبحانه منهم، مقدّمة لطواف الطائفين وصلاة المصلّين.
اذاً فقد حجّ رسول الله في أول سنة تمكن فيها من الحج من غير تأخير، وليس في حجّه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) ما يقوم حجة للقول بالتراخي.
واما الدليل الثاني:
فالجواب عنه: أولاً: أنه لم يثبت كون قدوم ضمام بن ثعلبة علي النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) سنة خمس أو سبع، بل قيل: إنه كان سنة تسع، وقد حجّ رسول الله سنة عشر فلم يثبت تأخر حجّ رسول الله عن أوّل عام الاستطاعة بعد التشريع.
وثانياً: ما ذكرناه في وجه الثاني من الجواب علي الدليل الأوّل يرد في الجواب علي هذا الوجه ايضاً.
واما الدليل الثالث:
فجوابه واضح، فانّ امر رسول الله من لم يكن معه هدي ان يجعل حجّه عمرة لا دلالة فيه علي جواز تأخير الحج فضلاً عن صراحته في ذلك، بل الوجه في امر رسول الله - كما يبدو من ظاهر الحديث - فقدان من لم يكن معه هدي لشرط الاستطاعة.
واما الدليل الرابع:
فالجواب عنه: ان الوجه في تسمية من اخّر الحج عن عام الاستطاعة ثم حج بعد ذلك مؤدياً للحجّ، أنّ الحج فيما بعد عام الاستطاعة اداء لفريضة الحج في وقتها بعد فوات الوقت الأول فانّ الواجب هو اداء الحجّ في العام الأوّل من الاستطاعة فان عصي وجب عليه اداؤه في العام الثاني وإلاّ ففي الثالث وهكذا، وليس ذلك من باب القضاء لان معني فوريّة الوجوب انحلال الواجب إلي عنصرين تعلّق بهما الأمر: الأول: ذات الواجب ووقته مدي العمر، والثاني: ايقاعه في الزمن الأوّل بعد الاستطاعة، وهذا الثاني ينطبق علي كل عام أوّل بعد تعلّق التكليف وقبل الامتثال، فما لم يمتثل يبقي وجوب ايقاع الفريضة في أوّل عام باقياً متوجهاً إليه، فإذا أدّي الفريضة سقط الوجوب بكلا عنصريه لتحقق المطلوب.
وأمّا الدليل الخامس:
انّ الفرض المذكور في الدليل يتضمّن افتراض العزم علي الاداء في المستقبل، وفي هذا الفرض وان كان التأخير اثماً يعاقب عليه لو لم يجبر بالتوبة، ولكن ليس كل اثم يوجب ردّ شهادة مرتكبة، فلا يتوقف قبول الشهادة علي عدم ارتكاب الاثم مطلقاً، وانّما الاثم المانع عن قبول الشهادة هو الاثم المقترن بالاصرار أو ما يعدّ كبيرة موبقة وعد عليها بالنّار أو غير ذلك من القيود المعتبرة في الاثم الموجب لردّ الشهادة.
وقد تحصل من مجموع ما ذكرناه ان الحق كون الحج واجباً فوريّاً يأثم من توفرت فيه شرايط الوجوب بتأخيره عن اول عام الاستطاعة بغير عذر.