73
بالنذر ليس واجباً ابتدائيّاً مجعولاً من قبل الشريعة المقدّسة على المكلّفين نظير وجوب الصلاة و الصيام و أمثالهما، و إنّما هو واجب إمضائي، بمعنى أنّه إلزام من اللّٰه تعالى بما التزم المكلّف على نفسه بالقيام بشيء للّٰه تعالى، نظير باب العقود فإنّ البائع يلتزم على نفسه تمليك ماله للمشتري و الشارع المقدّس يمضي التزامه و يلزمه بالوفاء بالتزامه، فالعمل الّذي يلتزم به الناذر للّٰه تعالى لا بدّ أن يكون قابلاً للإضافة إليه سبحانه و مرتبطاً به نحو ارتباط، و من هنا اعتبروا الرّجحان في متعلّق النذر، و إلّا لو كان خالياً عن الرّجحان لم يكن قابلاً للإضافة إليه تعالى، كنذر المباحات الأصليّة الّتي لا رجحان فيها و لا ترتبط به جلّ اسمه، و لذا عبّر بعضهم عن ذلك بأن لا يكون النذر محلّلاً للحرام و بالعكس، مع أنّ هذا لم يرد في النذر و إنّما ورد في الشرط. و الحاصل: لا بدّ أن يكون العمل المنذور الملتزم به على نفسه راجحاً في نفسه و قابلاً للإضافة إليه تعالى، و إلّا فلا ينعقد النذر.
و النتيجة: أنّ كلّ عمل استلزم ترك واجب أو فعل محرم، لا يمكن استناده و إضافته إلى اللّٰه تعالى، فلا تشمله أدلّة وجوب الوفاء بالنذر، لقصور دليل الإمضاء لمثل هذه الموارد فينحل النذر فيها، فلا يصل الأمر إلى التزاحم فضلاً عن أن يرفع النذر موضوع الاستطاعة.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ وجوب الحجّ مطلق غير مشروط بشيء سوى الاستطاعة المفسّرة في النصوص بأُمور خاصّة، و أمّا القدرة الشرعيّة المصطلحة فغير مأخوذة فيه، بخلاف النذر فإنّه مشروط بأن لا يكون محلّلاً للحرام و محرماً للحلال و مستلزماً لترك واجب أو إتيان محرم، و عليه فلا يقع التزاحم بين النذر و الحجّ أصلاً.
و يؤكّد ما ذكرناه: أنّه لو صحّ النذر و تقدّم على الحجّ لأمكن الاحتيال لسقوط الحجّ و تفويته بنذر أيّ أمر راجح يستلزم ترك الحجّ، و لو بنذر إتيان ركعتين من الصلاة في مسجد بلده يوم عرفة أو قراءة سورة معيّنة في المسجد الفلاني في يوم عرفة و نحو ذلك، و هذا مقطوع البطلان فإنّ الحجّ ممّا بني عليه الإسلام فكيف يمكن الالتزام بسقوطه بأمثال هذه الأُمور.