29
و منها: صحيح معاوية بن عمّار قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن رجل عليه دين أ عليه أن يحجّ؟ قال: نعم، إنّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، و لقد كان (أكثر) من حجّ مع النّبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) مشاة و لقد مرّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بكراع الغميم فشكوا إليه الجهد و العناء فقال: شدّوا أزركم و استبطنوا، ففعلوا ذلك فذهب عنهم» 1فإنّه قد حكم فيه بوجوب الحجّ على من أطاق المشي، و المراد من «أطاق» إعمال غاية الجهد و المشقّة و منه قوله تعالى . . . وَ عَلَى اَلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ. . . 2.
و يجاب عن ذلك أوّلاً بأنّه لم يعمل أحد من الفقهاء بمضمونه.
و ثانياً: أنّ المراد بمن أطاق المشي، القدرة على المشي في قبال المريض و المسجى الّذي لا يتمكّن من المشي أصلاً حتّى في داره و بلده، فمن تمكّن من المشي و أطاقه بمعنى أنّه لم يكن مريضاً و لم يكن مسجى، يجب عليه الحجّ بالطرق المتعارفة لا مشياً على الأقدام.
و لو سلمنا ظهور هذه الرّوايات في عدم اعتبار الرّاحلة، فلا ريب أنّ ظهور تلك الرّوايات الدالّة على الاعتبار أقوى من ظهور هذه، فترفع اليد عن ظهور هذه لأظهريّة تلك الرّوايات.
و يؤكّد ما قلناه: أنّ الحجّ لو كان واجباً على كلّ من تمكّن من المشي و إن لم يكن له راحلة لكان وجوبه حينئذ من الواضحات الّتي لا يمكن خفاؤها لكثرة الابتلاء بذلك.
و أمّا استشهاد الإمام (عليه السلام) بأصحاب رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) فلم يعلم أنّ حجّهم كان حجّة الإسلام و يحتمل كونه حجّا ندبيّاً و إن فرض أوّل سنتهم لاستحباب الحجّ للمتسكع، فلا ريب في اعتبار الزاد و الرّاحلة حتّى لمن يتمكّن من المشي.