29هذا خلاصة ما يرجع إلى القيد الأوّل، وأنّ حقيقة البدعة هي إدخال ما ليس من الدين فيه، بزيادة أو نقيصة، وأنّ قول النبي صلى الله عليه وآله: «شرّ الأُمور محدثاتها» ، ناظر إلى الأُمور المنسوبة إلى الدين وهي ليست منه، وأنّ الاستدلال بالحديث على ذمّ العادات المحدثة استدلال باطل، وإنّما يستنبط حكم المحدثات من ناحية الحلال والحرام من الكتاب العزيز والسنة النبوية.
بقي الكلام في القيدين الأخيرين أعني: 1. الإشاعة في المجتمع. 2. أن لا يكون هناك دليل في الشرع على جوازها لا بالخصوص ولا بالعموم.
الإشاعة ودعوة الآخرين إلى ما أحدث:
هذا هو أحد مقوّمات البدعة، فلو جلس في البيت وزاد أو نقص شيئاً في الدين فقد ارتكب أمراً حراماً لكن لا يوصف قوله أو فعله بالبدعة، لأنّ عمل المبتدعين عبر القرون -وأخصّ بالذكر عمل المشركين - لم يكن عملاً شخصياً في الخفاء بل كان مقروناً بدعوة الناس إليه كما لا يخفى.
عدم وجود أصل لها في الكتاب والسنّة:
هذا هو الأمر المهم الّذي يجب التركيز عليه في مقابل المتزمّتين حيث لا يميّزون بين البدعة لغةً وبينها شرعاً، فلو أمسك شخص إلى غسق الليل ناوياً به الصوم المفروض فقد ابتدع لغةً وشرعاً. إنّما الكلام إذا كان لعمله المحدَث أصل في الشريعة وإن لم يكن عليه دليل بالخصوص فلا يوصف بالبدعة.
وقال ابن حجر العسقلاني: والمراد بالبدعة: ما أحدث وليس له أصل في الشرع، وما كان له أصل يدلّ عليه الشرع فليس ببدعة.
قال ابن رجب الحنبلي: البدعة: ما أُحدث ممّا لا أصل له في الشريعة يدلّ عليه، أمّا ما كان له أصل في الشرع يدلّ عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعةً لغةً.
وقال العلاّمة المجلسي: البدعة في الشرع: ما حدث بعد الرسول صلى الله عليه وآله، ولم يرد فيه نصّ على الخصوص ولا يكون داخلاً في بعض العمومات أو ورد نهي عنه خصوصاً أو عموماً.
ونأتي بمثال: قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ، فإنّ قوله: مِنْ قُوَّة موضوع كلّي يشمل عامّة القوى الّتي تحقّق هذا الهدف.