27مثلاً جرت العادات في بعض المجتمعات على اختلاط النساء بالرجال، في حفلات الاستقبال من دون حجاب ولا عفاف، فلاشك في أنّ ذلك حرام جداً ولكنّه ليس بدعة في الدين، لأنّ هؤلاء خاضعون للهوى ولم ينسبوا عملهم إلى الدين. فالأُمور العادية بين مباح ومكروه وحرام فلا توصف بالبدعة إذا لم تُنسب إلى الدين.
إنّ لكل قوم سُنناً وآداباً خاصة ترسم طبيعة المعاشرة ونوع العلاقات الاجتماعية، كما أنّ لهم أساليبهم الخاصّة في الأُمور العمرانية وفي كيفية استغلال الطبيعة، وغير ذلك، فمثلاً قد تقتضي تقاليد وأعراف قوم تخصيص يوم واحد لتكريم زعيم لهم باعتباره رمزاً تاريخياً، أو للاحتفال بذكرى حادثة جليلة ساهمت في صنع أمجادهم، وقد توجب المصالح التطوير في الأُمور العمرانية وما شاكلها، أو في استغلال الطبيعة عن طريق الأجهزة الحديثة، فهذه الأُمور وغيرها قد ترك الشارع طريقة التعامل معها إلى الناس وفق أساليب حياتهم والتجديد الحاصل فيها، ولم يتدخل فيها إلاّ بوضع الأُطر العامّة لها، وهي أن لا تكون طريقة التعامل مخالفة للقواعد والضوابط العامّة، ولولا هذه المرونة لما كان الإسلام ديناً عالمياً سائداً، ولتوقّفت حركته منذ أقدم العصور، ونأتي لمزيد من التوضيح بمثال:
قد حدثت في العصور الأخيرة عدّة تقاليد في ميدان الألعاب الرياضية ككرة القدم والسلّة والطائرة والمصارعة والملاكمة وغير ذلك، فبما أنّها أُمور عادية محدثة فلا تعدُّ بدعة في الدين، ولو صحّ إطلاق البدعة فإنّما هو باعتبار المعنى اللغوي أي الشيء الجديد في ميادين الحياة، لا في الأُمور الشرعية، غاية الأمر يجب أن تحدّد شرعيتها بالضوابط الكلّية بأن لا يكون هناك اختلاط بين اللاعبين نساءً ورجالاً وأن لا يكون هناك ضرر وإضرار كما هو المحتمل في الملاكمة.
إنّ جميع العادات من قول أو فعل محكوم بالإباحة بشرطين:
1. لم يدلّ دليل على حرمة بخصوصها، في الكتاب والسنّة.
2. لم ينطبق عليه أحد العناوين الثانوية «كالإسراف» و «الإعانة على الإثم» و « تقوية شوكة الكافرين» و «الإضرار بالمسلمين» و «الإضرار بالنفس والنفيس» إلى غير ذلك من العناوين الثانوية المغيرة لحكم الموضوع. وعلى هذا الأساس فإنّ جميع المصنوعات الحديثة الّتي هي من نتائج التقدّم الحضاري التكنولوجي مثل الهاتف والتلفاز والسيارة والطائرة وما شابهها، هي من هذا القبيل، لعدم وجود دليل خاص على حرمتها وعدم انطباق دليل على تحريمها من العناوين الثانوية. ومن جهالات المتطرّفين في الأُمور العادية ما يقضى منه العجب، وهذا النوع من التزمّت هو الّذي يعرقل عجلة تبليغ الإسلام.