17بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً فأتى الأبرص. . . إلى آخر ما ذكر» .
ومن المعلوم أنّ قوله صلى الله عليه وآله: «بدا لله» ليس بمعناه الحقيقي أي ظهر له بعد ما خفي، وإلاّ تعارض مع قوله سبحانه: وَمَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْء فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ .
وإنّما هو تعبير مجازي نظير قوله سبحانه: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْداً . وقوله سبحانه: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ . وهذا من باب المشاكلة في التعبير، أو بضرب من التشبيه والمجاز.
هذه هي حقيقة البداء على وجه الإجمال الّذي هو أمر متفق عليه بين الفرق الإسلاميّة، ولكن نرى أن أبا القاسم البلخي المتكلّم المعتزليّ (المتوفّى 319 ه-) ينسب البداء إلى الشيعة، ويفسره بقوله: إنّ الأئمّة المنصوص عليهم بزعمهم مفوّض إليهم نسخ القرآن وتبديله، وتجاوَزَ بعضهم حتّى خرج من الدين بقوله: إنّ النسخ قد يجوز على وجه البداء وهو أن يأمر الله عزّ وجلّ عندهم بالشيء ولايبدو له، ثم يبدو له فيغيّره، ولا يريد في وقت أمره به أن يغيّره هو ويبدّ له وينسخه، لأنّه عندهم لا يعلم الشيء حتّى يكون إلاّ ما يقدّره فيعلمه علم تقدير، وتعجرفوا فزعموا أنّ ما نزل بالمدينة ناسخ لما نزل بمكّة.
نقل الشيخ الطوسي عنه هذا الكلام، وقال: وأظنّ أنّه عنى بهذا أصحابنا الإماميّة، لأنّه ليس في الأُمّة من يقول بالنص على الأئمة عليهم السلام سواهم، فإن كان عناهم فجميع ما حكاه عنهم باطل وكذب عليهم، لأنّهم لا يجيزون النسخ على أحد من الأئمة عليهم السلام، ولا أحد منهم يقول بحدوث العلم.
هذا وقد سرى الجهل بعقائد الشيعة في أمر البداء إلى كتب المتأخّرين من السنّة، ولا نريد التذكير به، والحق أنّ النزاع في البداء لفظي وليس معنوياً.