65واضح، أن (الزاد) هو المادة التي تمدّ الإنسان بالحياة، وهو ممّا يفتقر إليه باستمرار، وليس في أوقات أو مراحل أو حالات خاصّة. . . وإذا كانت المهمّة العبادية للإنسان هي: مهمّة (استمرارية) منذ أن يقع عليه التكليف إلى آخر عمره، حينئذٍ فإنّ انتخاب ظاهرة استمرارية (الزاد) تتناسب مع إبراز مفهوم (التقوى) تماماً. فالتقوى مطلوبة في الحالات والأزمنة جميعاً (كالغذاء الذي نحتاجه في الحالات والأزمنة جميعاً) .
من زاوية اُخرىٰ: نلاحظ أنّ (الزاد) لا ينحصر أثره هنا في الحياة الدنيا، بل ينسحب علىالحياة الأخروية، أي: بقدر مايتزوّد الإنسانبالتقوى: يترك أثره على الحياة المقبلة وهذا هو الجديد والطريف في الصورة. . . فالنصّ لم يعتمد (الزاد) من حيث كونه مادّة تمدّ الإنسان بالعطاء الدنيوي فحسب، بصفة أنّ مَن يتّق اللّٰه تعالى يجعلله مخرجاً، ويرزقه منحيث لايحتسب دنيوياً، بل تجاوزه إلى الع طاء الأخروي، حيث تمدّه (التقوى) باستمرارية حياته الأخروية من أعلى درجات الإشباع.
وهذا ما يفسّر لنا انتخاب ظاهرة (الزاد) دون غيرها من الظواهر (كالأكل) مثلاً، حيث إنّ الأكل أو الشرب يمدّان الإنسان بالحياة، إلّاأنّ ذلك ينحصر في الحياة الدنيا. أما الزاد فبالرغم من كونه يتناول ظاهرتي (الأكل والشرب) إلّاأنّه - من جانبٍ آخر - وهذا هو المهمّ في الصورة: يجسّد مفهوماً آخر لظاهرة تناول الغذاء، ألا وهي (تهيئته) فكما أنّ المسافر مثلاً يحتاج إلى (الراحلة والزاد) للإفادة منهما في رحلته لاحقاً، وليس آنياً فحسب. . . كذلك (الزاد) بالنسبة إلى ممارسة (التقوى) حيث يستهدف النصّ لفت النظر إلى (تهيئة) الزاد للإفادة منه آنياً ولاحقاً بالنحو الذي أوضحناه.
إذن: أمكننا أن ندرك - ولو سريعاً - أهمّية هذه الصورة (التمثيلية) المتّسمة بالبساطة، إلّاأنّها اكتسبت دلالات عميقة كما لاحظنا.
* * *