162
الحجّ في الحضارة الفارسية القديمة
وفي الحضارة الفارسية القديمة طقوس ورسوم وعقائد وأفكار يطول تعدادها لو أردنا الدخول إليها، ولكن لنأخذ مقطعاً من تأريخها وليكن الديانة الزرداشتية؛ لأنّها أشهر ديانة وأعظم تعاليم تمسّك بها الفرس منذ «القرن العاشر أو السادس قبل الميلاد» 1حتىٰ يومنا هذا توجد بقايا من أتباعه في مدينة يزد الإيرانية وفي الهند.
والذين يدينون بالزرداشتية يعرفون أن تعاليمها تأتي من خمسة كتب مقدّسة ادّعىٰ بها نبيّهم «زرادشت» 2أنّها من وحي الإلٰه الواحد أهورا - مزدا إلٰه النور والسماء.
ومن بين هذه الكتب المقدّسة كتاب «الياسنا» الذي يهتم بالشعائر والطقوس، ويمكننا أن نلتقط من هذه الشعائر والطقوس ما يمكن أن يمثِّل شكلاً من أشكال الحج، حيث الزيارات السنوية المقدّسة إلى المعابد في الأعياد الدينية، وتقديم الأضاحي والنذورات ومراسم مقدّسة أخرىٰ. .
ومن تعاليم هذا الكتاب «التقوىٰ» يقول وِل ديورانت: «ولمّا كانت التقوىٰ أعظم الفضائل على الإطلاق - عندهم - فإنّ أوّل ما يجب على الإنسان في هذه الحياة أن يعبد اللّٰه بالطهر والتضحية والصلاة. ولم تك فارس الزرادشتية تسمح بإقامة الهياكل أو الأصنام، بل كانوا ينشئون المذابح المقدّسة علىٰ قمم الجبال وفي القصور أو في قلب المدن، وكانوا يوقدون النار فوقها تكريماً لآهورا - مزدا، أو لغيره من صغار الآلهة. وكانوا يتخذون النار نفسها إلٰهاً يعبدونه ويسمّونها «أنار» ويعتقدون أنّها ابن إلٰه النور. . وكانوا يقرّبون إلى الشمس، وإلى النار - التي لا تنطفئ طيلة العام - وإلى أهورا مزدا، القرابين من الأزهار والخير، والفاكهة، والعطور، والثيران والضأن والجمال والخيل والحمير وذكور الوعل، وكانوا في أقدم الأزمنة يقرّبون إليها الضحايا البشرية 3شأن غيرهم من الاُمم، ولم يكن للآلهة من هذه