63
وبلغ علياً الخبر، فأتى عثمان وهو مغضب، فقال: " أما رضيت من مروان ولارضي منك إلاّ بإفساد دينك وخديعتك عن عقلك، وإنِّي لأراه سيوردك ثُمَّ لا يصدرك، وما أنا بعائدٍ بعد مقامي هذا لمعاتبتك "، وقالت له امرأته نائلة بنت الفرافصة: قد سمعت قول عليّ بن أبي طالب في مروان، وقد أخبرك أنَّه غير عائد إليك، وقد أطعت مروان ولا قدر له عند النّاس ولا هيبة. فبعث إلى عليٍّ فلم يأته 1.
وأخرج الطّبري من طريق عبد الله بن الزّبير عن أبيه، قال:
كتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة، ويحتجّون ويُقسمون له بالله لا يمسكون عنه أبداً حتّى يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من حقِّ الله، فلمّا خاف القتل، شاور نصحاءه وأهل بيته، فقال لهم: " قد صنع القوم ما قد رأيتم، فما المخرج؟ "، فأشاروا عليه أن يُرسل إلى علي بن أبيطالب، فيطلب إليه أن يردّهم عنه ويعطيهم ما يرضيهم؛ ليُطاولهم حتّى يأتيه أمداد. فقال: "إنَّ القوم لن يقبلوا التعليل وهي محملي عهداً وقد كان منِّي في قدمتهم الأُولى ما كان، فمتى أعطهم ذلك يسألوني الوفاء به"، فقال مروان بن الحكم: يا أمير المؤمنين، مقاربتهم حتّى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب. فأعطِهم ما سألوك، وطاولهم ما طاولوك، فإنَّما هم بغوا عليك، فلا عهد لهم.
فأرسل إلى علي فدعاه, فلمّا جاءه، قال: " يا أبا حسن, إنَّه قد كان من النّاس ما قد رأيت، وكان منِّي ما قد علمت، ولست آمنهم على قتلي، فارددهم عنّي، فإنَّ لهم الله عزّوجلّ إن أعتبهم من كلِّ ما يكرهون، وأن أعطيهم الحقّ من نفسي ومن غيري، وإن كان في ذلك سفك دمي".
فقال له علي: " النّاس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك, وإنِّي لأرى قوماً لا يرضون إلاّ بالرضى, وقد كنت أعطيتهم في قدمتهم الأُولى عهداً من الله لترجعنَّ عن جميع ما نقموا، فرددتهم عنك، ثُمَّ لم تفِ لهم بشيء من