62
قال: نعم. فأخذ عليّ عليه عهد الله وميثاقه، على أوكد ما يكون وأغلظ، وخرج إلى القوم، فقالوا: وراءك. قال: لا، بل أمامي، تعطون كتاب الله وتَعتِبون من كلِّ ما سخطتم. فعرض عليهم ما بذل عثمان. فقالوا: أتضمن ذلك عنه؟
قال: نعم. قالوا: رضينا. وأقبل وجوههم وأشرافهم مع عليّ حتّى دخلوا على عثمان وعاتبوه، فأعتبهم من كلّ شيء، فقالوا: اكتب بهذا كتاباً، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله عثمان أميرالمؤمنين، لمَن نقم عليه من المؤمنين والمسلمين، أنَّ لكم أن أعمل فيكم بكتاب الله وسنَّة نبيّه، يُعطى المحروم، ويُؤمن الخائف، ويُردّ المنفي ولا تُجمَر البعوث، ويُوفر الفيء، وعلي بن أبي طالب ضمين للمؤمنين والمسلمين على عثمان بالوفاء بما في هذا الكتاب . شهد: الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن مالك بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وسهل بن حنيف، وأبو أيوب خالد بن زيد.
وكتب في ذي القعدة سنة خمس وثلاثين.
فأخذ كلّ قوم كتاباً فانصرفوا، وقال عليّ بن أبي طالب لعثمان: اخرج فتكلّم كلاماً يسمعه النّاس ويحملونه عنك، وأشهد الله على ما في قلبك؛ فإنَّ البلاد قد تمخّضت عليك، ولا تأمن أن يأتي ركب آخر من الكوفة أو من البصرة أو من مصر، فتقول: يا عليّ، اركب إليهم. فإن لم أفعل، قلت: "قطع رحمي واستخفّ بحقّي" .
فخرج عثمان فخطب النّاس، فأقرّ بما فعل واستغفر الله منه، وقال: "سمعت رسول الله(ص) يقول: (مَن زلَّ فليَنُب)، فأنا أوَّل مَن اتعظ، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم، فوالله لو ردَّني إلى الحقّ عبد لاتَّبعته، وما عن الله مذهب إلاّ إليه".
فسرَّ النّاس بخطبته واجتمعوا إلى بابه مبتهجين بما كان منه، فخرج إليهم مروان فزَبَرهم وقال: " شاهت وجوهكم، ما اجتماعكم؟ أمير المؤمنين مشغول عنكم، فإن احتاج إلى أحد منكم فسيدعوه، فانصرفوا".