64
ذلك. فلا تغرّني هذه المرّة من شيء، فإنِّي مُعطيهم عليك الحقّ".
قال: "نعم، فأعطهم، فوالله لأفينَّ لهم".
فخرج علي إلى الناس فقال: "أيّها النّاس، إنَّكم إنَّما طلبتم الحقّ فقد أعطيتموه. إنَّ عثمان قد زعم أنَّه مُنصفكم من نفسه ومن غيره، وراجع عن جميع ما تكرهون، فاقبلوا منه ووكِّدوا عليه".
قال النّاس: قد قبلنا، فاستوثق منه لنا؛ فإنَّا والله لا نرضى بقول دون فعل.
فقال لهم علي: «ذلك لكم». ثُمَّ دخل عليه فأخبره الخبر، فقال عثمان: «اضرب بيني وبينهم أجلاً، يكون لي فيه مُهلة فإنِّي لا أقدر على ردِّ ما كرهوا في يوم واحد».
قال له علي: «ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه, وما غاب فأجله وصول أمرك».
قال: «نعم ولكن أجّلني فيما بالمدينة ثلاثة أيّام».
قال علي: " نعم ". فخرج إلى النّاس فأخبرهم بذلك، وكتب بينهم وبين عثمان كتاباً أجله فيه ثلاثاً، على أن يردّ كلّ مظلمة ويعزل كلّ عامل كرهوه، ثُمَّ أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد وميثاق، وأشهد عليه ناساً من وجوه المهاجرين والأنصار، فكفَّ المسلمون عنه، ورجعوا إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه.
فجعل يتأهَّب للقتال ويستعدّ بالسلاح، وقد كان اتَّخذ جنداً عظيماً من رقيق الخمس. فلمّا مضت الأيام الثلاثة، وهو على حاله لم يغيِّر شيئاً ممَّا كرهوه، ولم يعزل عاملاً؛ ثار به النّاس, وخرج عمرو بن حزم الأنصاري حتّى أتى المصريين وهم بذي خشب، فأخبرهم الخبر، وسار معهم حتّى قدموا المدينة, فأرسلوا إلى عثمان:
ألم نفارقك على أنَّك زعمت أنّك تائب من أحداثك، وراجع عمّا كرهنا منك، وأعطيتنا على ذلك عهد الله وميثاقه؟!
قا ل: بلى, أنا على ذلك. قالوا: فما هذا الكتاب الّذي وجدنا مع رسولك، وكتبت به إلى عاملك؟! 1.