46وتُغيب الإنسان عن نفسه.
وهذا التشتيت والتقطيع والتغييب،يَضُرُّ الإنسان،ويفسده ويغرّبه (يشعره بالغربَة)،ويحجبه عن أصوله وشمله،فلابد للإنسان من محل يثوب إليه،يجمع شملهم بعضهم ببعض،ويصل الإنسان بأصوله،ويعيد الإنسان الى نفسه.
والكعبة هي هذه المثابة التي جعلها الله تعالى للناس،فهي تجمع الناس كل سنة مرة منذ أن أذّن إبراهيم(ع) في الناس بالحج إلى اليوم (B وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالاً وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) .
ويجمع الناس في كل يوم خمس مرات من شتى مناطق الأرض،يستقبلونها في صلواتهم،يقول تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) . 1فيجد المسلمون الموحّدون،الذين أسلموا وجوههم لله على ملّة إبراهيم في الكعبة مثابة لهم،تجمعهم كلّما تشتتوا،وتوحّد حركتهم كلما تفرقت بهم المذاهب والمسالك في الحياة الدنيا.
وتصل الخلف بالسلف،كلما قطعت الحياة الدنيا هذه الأواصر التي تربط الأبناء بالآباء،فيعيدهم البيت الحرام إلى آبائهم وأصولهم إبراهيم وإسماعيل،ويأمرهم الله تعالى أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (B وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى ) .
فيذكّرهم (المقام) بإبراهيم،و(الحجر وزمزم) بإسماعيل و(الصفا والمروة) بهاجر،ويذكرهم البيت الحرام بالأنبياء الذين طافوا بهذا البيت،وحجوا إليه(عليهم السلام).
وإذا عاد الناس الذين أسلموا لله حنفاء،بعضهم إلى بعض،وعادوا إلى أصولهم وأسلافهم...عادوا إلى أنفسهم،ولم يضيعوا في زحمة الحياة.
فالكعبة تشعر هذه الأمة بعرضها العريض على وجه الأرض،وعمقها