23النّصوص التي بحوزتنا والمستخرجة من آيات الكتاب, ومتون الأحاديث ولنتعرّف على جانب من روح وعقل هذه العبادة الجماعية في جوانبها التربوية؛ ونبدأ بالجانب السلوك الروحاني والعرفاني، لأهميته في تربية الإنسان، ثمَّ نتطرق إلى الجانب الأخلاقي:
أ- السلوك الرّوحاني والعرفاني
حين نطالع سيرة إبراهيم (ع) وحركته، كما بيّنها لنا القرآن الكريم، ونتابع كيفيّة جلبه لولده وزوجه إلى صحراء مكة، ومن ثم قضيّة ذبح إسماعيل (ع) ووصول الذبح السماوي، وبناء الكعبة المشرفة، وما تبعها من أعمال الحجّ، فإننا نحصل على دورة كاملة للمسيرة العبادية والسلوك الرّوحاني والمعنوي للإنسان، خروجاً من مختنق الذات وعبادتها، ووصولاً إلى التقرب إلى الله، ونبذ متعلّقات النّفس الماديّة، والالتحاق بمقام الربّ، والركون إلى دار الكبرياء، ومع أنه يبدو للوهلة الأولى أنّ الأحداث التي واجهت إبراهيم (ع) ، وكذلك أعمال مناسك الحجّ تتألف ظاهرياً من أحداث منفصلة عن بعضها البعض، إلاّ أنّ مطالعة دقيقة في هذا المجال، تبيّن لنا حقيقة أن هذه المناسك إنما هي سلسلةٌ متصلة تلاحق هدفاً واحداً، يعبّر عنها العرفاء بمراحل السير والسلوك الرّوحانيّين، ومراتب الطلب والحضور ومراسيم الحبّ والعشق والإخلاص، وأخيراً خروج المرء من جلده والالتحاق ببحر وجود الخالق اللامحدود، كلّ ذلك يكون في باطن تلك المناسك، ويحصل الإنسان بذلك على نقاط ألطف كلّما دقّقَ في تلك الأمور. 1ويشترط في مسيرة الإنسان نحو الرّب الخروج من دائرة العالم المادّي، وتبنّي طريقة السالكين إلى الله، قال الإمام الصادق (ع) : «إذا أردت الحجّ فجرّد قلبك لله تعالى من كلّ شاغل ٍ، ثم اغتسل بماء التوبة الخالصة من الذنوب، ودَع ِالدنيا والراحة والخلق» . 2