305
ثم صاح شريك بصوت رفيع ليسمع مسلماً: اسقونيها ولو كان فيها حتفي.
ولما خرج ابن زياد من دار هاني، التفت شريك إلى مسلم بن عقيل وقال له معاتباً: بالله عليك يا ابن عقيل ألا أخبرتني لماذا لم تقتله؟ وما الذي منعك من قتله؟ فقال مسلم: لقد منعني من قتله حديثان:
الأول: حديث أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص) حيث قال: « إن الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن» ؛ والثاني: امرأة هاني، فإنها تعلّقت بي وأقسمت عليّ بالله أن لا أفعل هذا في دارها، وبكت في وجهي.
فقال هاني: يا ويلها من حمقاء جاهلة، قتلتني وقتلت نفسها، والذي فرّت منه وقعت فيه.
مسلم في دار طوعة:
استطاع ابن زياد من السيطرة على أوضاع الكوفة بالإغراء والوعيد، وفرض عليها من الخوف والرعب، فتفرق أصحاب مسلم من حوله، وظل وحيداً غريباً بالكوفة بلا مأوى، فما زالوا يتفرقون حتى لم يبق من الأربعة آلاف الذين كانوا معه إلاّ ثلاثمائة رجل، ولما أمسى المساء صلّى مسلم بن عقيل المغرب والعشاء بالمسجد فلم يبق معه سوى ثلاثين رجلاً، ولما خرج من المسجد لم يبق معه غير عشرة نفر، وبعد برهة رأى خلفه وإذا به وحيداً ليس معه أحد يدلّه على الطريق، مشى في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب، واستبد بمسلم العطش والتعب، حتى وصل على باب دار امرأة يقال لها طوعة.