62وأمّا النذر، فلايشترط في انعقاده إلاّرجحانمتعلقه، والمراد به هو الرجحانبالإضافة إلى الترك، لابالنسبة إلى جميع الأضداد المتصورة له، وهو أيضاً قد تحقق في المقام، ولميدل دليل تعبّدي على كون عدم الاستطاعة أو عدم تقدمها من شرائط انعقاده، فلامجال لإنكار انعقاد النذر؛ فالأمران واجد ان للملاك مع ما لهما من الشرائط والرجحان، وبهذا ثبت التزاحم بين وجوب الحج والوفاء بالنذر.
أمّا الترجيح فهو بتقديم النذر على الحج، والوجه فيه ثبوت الكفارة والعقاب معاً في مخالفة النذر، بخلاف ترك الحج؛ لأنّفيه العقاب فقط دون الكفارة، لاسيما إذا كانالنذر زيارة المرقد الشريف لأبي عبدالله الحسين (ع) في يوم عرفة، فإنها أهم من الحج، لما ورد فيها من أنّالله تبارك وتعالى ينظر إلى زوّار الحسين (ع) في يوم عرفة قبل أنينظر إلى الحجاج.
أمّا الاستدلال بثوت الكفارة والعقاب معاً في مخالفة النذر، فعلى الرغم من أهمية النذر وتقدمه على الحج، فهو غير تام؛ وذلك:
أولاً: أنّعدم ثبوت الكفارة قد يكون لأجل عظمة المعصية وشدتها، كما في تكرار الصيد في حال الإحرام، حيث إنّه لاكفارة فيه، لكنه سبحانه وتعالى هدّد بقوله: وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَ اللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقام . 1ويُستفاد منها أنّه لاينبغي تخفيف الفعل بالكفارة، بل يترتب عليه ردّ فعلٍ وانتقام من الله تبارك و تعالى.
ثانياً: أنّكثرة الثواب لاتدل على الأهمية، فكم من عمل مستحب يكون أكثر ثواباً من الواجب؛ فلامجال أنندّعي أنله أهمية بالنسبة إلى الواجب، كما وردت أحاديث في فضيلة السلام وكثرة الثواب لبادئه دون مجيبه، مع أنّالابتداء بالسلام مستحب وردّه واجب، والثواب متعاكس نسبة بينهما.
فتبيّن مما ذكرنا من الأدلة في تقديم النذر على الحج، أنّه «يوجد دليل قاطع لترجيح النذر وتقديمه على الحج» .
القول الثانى: تقديم الحج على النذر
استُدل للقول بتقديم الحج على النذر بأمرين:
الأمر الأول: الرجحانفى متعلق النذر.
يقدم الحج على النذر، لكون الحج تام الملاك دون النذر؛ وذلك لأنّالوفاء بالنذر ليس واجباً ابتدائياً نظير الصلاة والصوم، وإنّما هو واجب إمضائي، بمعنى أنّه إلزام من الله تعالى بما التزم المكلف به على نفسه.
فإنّالناذر يُلزم نفسه بشيء، والله تعالى يلزمه بالعمل به على نحو ما التزم به، فلابدّ من أنيكون العمل الملتزم به في نفسه قابلاًللإضافة إلى الله تعالى، ومن هنا اعتبروا الرجحانفي متعلق النذر.