6
الصلاة جماعة بالاستدارة حول الكعبة
كان لكلّ مذهب من المذاهب الأربعة مقام خاص في المسجد الحرام، يقوم فيه إمام المذهب ويقتدي به المصلّون، كل إمام في ضلع من أضلاع الكعبة المشرفة، وبعد أن جاء السعوديون إلى منصَّة الحكم أزالوا هذه المقامات الأربعة وجعلوها مقاماً واحداً لإمامٍ من الحنابلة فقط، وبذلك أعادوا الصلاة جماعة استدارة حول الكعبة الشريفة.
وأصبحت هذه المسألة مورد بحث ونقاش بين فقهائنا من جديد بعدما كانت المسألة معنونة في كتب المتقدمين أيضاً، وقبل الخوض في دراسة دليل المسألة صحة وفساداً، نقدم اُموراً:
الأوّل: تاريخ ظهور الصلاة جماعة بهذه الكيفية
يظهر من الأزرقي في «تاريخ مكة المكرمة» أنّ أول من أدار الصفوف حول الكعبة هو خالد بن عبدالله القسري، يقول: كان الناس يقومون قيام شهر رمضان في أعلى المسجد الحرام تركز حربة خلف المقام بربوة فيصلي الإمام خلف الحربة، والناس وراءه فمَن أراد صلى مع الإمام ومَن أراد طاف بالبيت وركع خلف المقام، فلمّا ولي خالد بن عبدالله القسري مكة وحضر شهر رمضان، أمر خالد القراء أن يتقدّموا فيصلوا خلف المقام، وأدار الصفوف حول الكعبة، وذلك أنّ الناس ضاق عليهم أعلى المسجد، فأدارهم حول الكعبة.
فقيل له: تقطع الطواف لغير المكتوبة، قال: فأنا آمرهم يطوفون بين كل ترويحتين سبعاً، فأمرهم ففصلوا بين كل ترويحتين بطواف سبع.
فقيل له: فإنّه يكون في مؤخر الكعبة وجوانبها من لا يعلم بانقضاء طواف الطائف من مصل وغيره فيتهيّأ للصلاة، فأمر عبيد الكعبة أن يكبروا حول الكعبة، يقولون: ألحمد لله والله أكبر، فإذا بلغوا الركن الأسود في الطواف السادس سكتوا بين التكبيرتين سكتة حتّى يتهيّأ الناس ممّن في الحجر ومن في جوانب المسجد من مصل وغيره، فيعرفون ذلك بانقطاع التكبير، ويصلي ويخفّف المصلي صلاته ثم يعودون إلى التكبير حتّى يفرغوا من السبع، ويقوم مسمع فينادي الصلاة رحمكم الله.
قال: وكان عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار ونظائرهم من العلماء يرون ذلك ولاينكرونه.
ثم نقل عن ابن جريج قلت لعطاء: إذا قلّ الناس في المسجد الحرام أحبّ إليك أن يصلوا خلف المقام ويكونوا صفاً واحداً حول الكعبة؟
قال: بل يكون صفاً واحداً حول الكعبة وتلا:
وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ
1
. 2ويظهر من كلام الأزرقي أنّ الدافع إلى الصلاة حول الكعبة استدارة، هو ضيق المكان في صلاة التراويح، ولم يكن قبله أي سابقة لها، وقد تصدى عبدالملك للخلافة عام65ه بعد وفاة أبيه مروان بن الحكم وتوفّي عام 86ه.