56
2. الذكر
العامل الآخر للمحافظة على مكاسب الحج، ذكر الله تعالى ضمن برنامج منظم. . . وهذا الذكر يشمل نوافل الصلاة، وبشكل خاصّ النوافل الليلية (صلاة الليل) وقراءة القرآن، والدعاء، والأوراد، والأذكار الواردة في الليل والنهار، ولو خلال فترة العمل، والالتزام بتعقيبات الصلاة، والاهتمام بحضور الجماعة، والتعهد بالأدعية الواردة ليلة الجمعة، ويوم الجمعة، وسائر أيّام الله في السنة.
إنّ الالتزام بهذه الأبواب من الذكر، يفتح منافذ القلب على الله تعالى، ويبعث فيه النور، والبصيرة، والشفافية، ويقرب الإنسان إلى الله، ويمنح الإنسان اليقين، والعزم، والقوة في طاعة الله، والأنس إلى ذكر الله، والشوق إلى لقاء الله، وحبّ الله، والإنابة إلى الله، والخشية والرجاء من الله، وما لا أحصيه من المواهب التي جعلها الله في الذكر.
و من أعظم هذه المواهب، أنّ ذكر الله يحفظ الإنسان من أن تشغله الدنيا أوتلهيه عن الله. . . وهذا هو الشطر الثاني من الطريق الصعب الذي ذكرناه آنفاً في السعي إلى الله، فإنّ أعظم حجابين يحجبان العبد عن الله تعالى، هو الذنوب والمعاصي أولاً، و التعلّق بالدنيا ثانياً.
ولمكافحة هذين العاملين قلنا:
إنّ (التقوى) هو الشطر الأول من الطريق الصعب، يحفظ الإنسان من الذنوب والمعاصي الحاجبة عن الله؛ و (الذكر) هو الشطر الثاني من هذا الطريق، يحفظ صاحبه عن الدنيا ودورها المغري في إلهاء الإنسان، وانشغاله عن الله.
المداومة
و لايؤتي الذكر ثماره في حياة الإنسان، ما لم يواصله الإنسان زمناً طويلاً في حساب العمر.
فقد روي عن أميرالمؤمنين (ع) : «قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه» . 1إنّ بركات الذكر لاتظهر مرة واحدة، كما هو الحال في أغلب سنن الله تعالى في الكون، وإنما تظهر بصورة تدريجية. و لكي يكتسب الإنسان بركات الذكر، لابدّ له من مواصلة الذكر ومداومته.
المراقبة والمداومة
و الغاية هنا من التأكيد على (مراقبة) التقوى و (مداومة) الذكر، هي أن يتحوّل كل من التقوى والذكر في حياة الإنسان إلى ملكة راسخة ثابتة؛ فما لم تتحول التقوى ويتحول الذكر في حياة الإنسان إلى ملكتين راسختين في النفس ثابتتين، فهما معرضان لأخطار وتهديدات كثيرة من جانب ثلاثية الابتلاء التي شرحناها من قبل.