94ومن معرفته العالية في كتاب الله تعالى، والرواية عن رسول الله (ص) وفي التاريخ، من ذلك قصة الخضر وموسى: فقد روى أبيّ بن كعب في ذلك عنه (ص) ما حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد، قال: قلت لابن عباس: إن نوفاً يزعم أن الخضر ليس بصاحب موسى، فقال: كذبَ عدو الله، حدثنا أبيّ بن كعب عن رسول الله (ص) قال: إن موسى قام في بني إسرائيل خطيباً فقيل: أيّ الناس أعلم. فقال: أنا، فعتب الله عليه حين لم يردّ العلم إليه، فقال: بل عبدٌ لي عند مجمع البحرين، فقال: يا ربّ! كيف به? قال: تأخذ حوتاً فتجعله في مكْتل فحيث تفقده فهو هناك. قال: فأخذ حوتاً فجعله في مكتل، ثم قال لفتاه: إذا فقدتَ هذا الحوت فأخبرني. فانطلقا يمشيان على ساحل البحر حتى أتيا صخرة، فرقّد موسى فاضطرب الحوت في المكتل، فخرج فوقع في البحر، فأمسك الله عنه جَرْية الماء فصار مثل الطاق، فصار للحوت سرَباً، وكان لهما عجباً. ثم انطلقا، فلما كان حين الغذاء قال موسى لفتاه: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هذَا نَصَباً قال: ولم يجد موسى النصَب حتى جاوز حيث أمَره الله، قال: فقال: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إلَى الصَّخْرَةِ فإنى نَسِيتُ الحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أذْكُرَهُ
وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى البَحْرِ عَجَباً قال: فقال: ذَلكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً . قال: يقّصان آثارهما. قال: فأتيا الصخرة فإذا رجل نائم مسجَّى بثوبه، فسلّم عليه موسى فقال: وأنَّى بأرضنا السلام! قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل? قال: نعم، قال: يا موسى، إني على علْم من علم الله، علَّمنيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علّمكه الله لا أعلمه، قال: فإني أتبعك على أن تعلمني ممَّا عُلمْتَ رُشْداً. قال فَإِنِ اُتَّبَعْتَنِى فَلاَ تَسْأَلْنِى عَنْ شَىْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً . فانطلقا يمشيان على الساحل، فإذا بملاح في سفينة، فعرف الخضر، فحمله بغير نَوْل، فجاء عصفور فوقع على حرفها فنقر - أو فنقد- في الماء، فقال الخضر لموسى: ما ينقص علمي وعلمك من علم الله إلا مقدار ما نقر - أو نقد - هذا العصفور من البحر. قال أبو جعفر: أنا أشكُّ، وهو في كتابي هذا "نقر" قال: فبينما هم في السفينة لم يُفجأ موسى إلا وهو يتد وتداً أو ينزع تخْتاً منها، فقال له يا موسى: حمَلنا بغير نَوْل وتخرقها لتُغْرقَ أهْلها! لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إمْراً * قَالَ أَلَمْ أقُلْ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيْعَ مَعِىَ صَبْراً * قال لاَ تُؤاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ
قال: فكانت الأولى من موسى نسياناً، قال: ثم خرجا فانطلقا يمشيان، فأبصرا غلاماً يلعب مع الغلمان، فأخذ برأسه فقتله، فقال له موسى: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً قال أَلَمْ أقُلْ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيْعَ مَعِىَ صَبْراً قَالَ إنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَىْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّى عُذراً .
فانطلقا حتى أتيا أهلَ قرية استطعما أهلها، فلم يجدا أحداً يطعمهم ولا يسقيهم، فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ فأقامه بيده - قال: مسحه بيده - فقال له موسى: لم يُضيفونا ولم ينزلونا، لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْراً قَالَ هذا فِراقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ قال: فقال رسول الله (ص) : «لوددت أنه كان صبَر حتى يقصّ علينا قصصهم» .
وعن العباس بن الوليد، قال: أخبرني أبي قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني الزهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس: أنه تمارى هو والحُرّ بن قيس بن حصن الفزاريّ في صاحب موسى، فقال ابن عباس: هو الخضر، فمر بهما أبيّ بن كعب، فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى (ع) الذي سأل السبيلَ إلى لقائه، فهل سمعت رسول الله يذكر شأنه? قال: نعم إني سمعت رسول الله (ص) يقول: «بينا موسى (ع) في ملأِ من بني إسرائيل، إذ جاءه رجل فقال: تعلم مكان أحد أعلم منك? قال موسى: لا، فأوحى إلى موسى: بَلى عبدنا الخضر، فسأل موسى السبيلَ إلى لقائه، فجعل الله الحوت آية، وقال له: إذا افتقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه، فكان موسى يتبع أثر الحوت، في البحر فقال فتى موسى لموسى: أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ وقال موسى: ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً ، فوجدا الخضر، فكان من شأنهما ما قصّ الله في كتابه» . (39)