93وفي قوله تعالى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً (35)
قال أبي: كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ففطرهم يومئذ على الإسلام، وأقروا له بالعبودية، وكانوا أمة واحدة مسلمين كلهم، ثم اختلفوا من بعد آدم، فكان أبي يقرأ: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ إلى فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وإن الله إنما بعث الرسل وأنزل الكتب عند الاختلاف.
وفي قوله تعالى: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (36)
قال أبي: هو القتل يوم بدر. (37)
أبيّ عالماً
كان في حفظه القرآن وترتيله وفهم آياته من المتفوقين؛ لهذا تجده وقد سجل أبيّ بن كعب حضوراً متميزاً في التفسير والقراءة، وفي الفقه حتى عدّ أبرز فقهاء الصحابة وقرَّائهم. . وكان صاحب همة عالية في خدمة الناس، ولا يبخل عليهم بعلمه. . فمع أنه كثير العبادة، لكنه طالما فرغ نفسه لتعليم الآخرين. فعن أبي العالية: كان أُبي بن كعب صاحب عبادة، فلما احتاج إليه الناس، ترك العبادة، وجلس للقوم.
سأله النبي (ص) يوماً: يا أبا المنذر، أي آية من كتاب الله أعظم؟
فأجاب قائلاً: الله ورسوله أعلم.
وأعاد النبي (ص) سؤاله: يا أبا المنذر، أي آية من كتاب الله أعظم؟
وأجاب أبي: اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ .
فضرب الرسول (ص) صدره بيده، ودعا له بخير، وقال له والغبطة تتألق على محياه: ليُهْنِكَ العلم أبا منذر. (أي هنيئًا لك العلم) .
وعن أبي بن كعب أن رسول الله (ص) صلّى بالناس، فترك آية فقال: أيُّكم أخذ عليّ شيئاً من قراءتي؟
فقال أبيُّ: أنا يا رسول الله، تركتَ آية كذا وكذا.
فقال النبي (ص) : قد علمتُ إنْ كان أحدٌ أخذها عليّ فإنّكَ أنت هو.
وقال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين! إني تلقيتُ القرآن ممن تلقّاه من جبريل وهو رطب. .
وكان عمر يسميه سيد المسلمين. ويقول: اقرأ يا أبي.
وأخرج الأئمة أحاديثه في صحاحهم وعدّه مسروق في الستة من أصحاب الفتيا وممن روى عنه من الصحابة عمر، وكان يسأله عن النوازل ويتحاكم إليه في المعضلات. ولما مات في خلافة عمر بن الخطاب - على رواية - قال عمر: اليوم مات سيد المسلمين.
وكان - رضي الله عنه - واحدًا من الستة أصحاب الفُتْيَا - كما روي - الذين أذن لهم رسول الله بالحكم في حوائج الناس، وفض المنازعات التي تحدث بينهم، وردِّ المظالم إلى أهلها، وكان منهم الإمام علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن حارثة. . . ومما قاله (ص) فيه: وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب. . (38)
قصة الخضر وموسى: