91هذا، وكان لتلاميذه مع أصحاب زيد بن أسلم مشاركة في إنشاء مدرسة التفسير في المدينة المنورة، والتي كان من أقطابها ثلاثة من أئمة أهل البيت، وهم: الإمام علي بن الحسين، وولده الباقر، وحفيده الصادق (عليهم السلام) ، وقد امتازت هذه المدرسة بفضل وجود الأئمة الثلاثة (عليهم السلام) بالعمق والموضوعية، فيما أثر عنها من روايات تفسيرية نجدها في أمهات التفسير.» (16)
نماذج من تفسيره
تفسير القرآن بالقرآن
كان أبي يعتمد روايات عن رسول الله (ص) لتفسير آية من القرآن الكريم
ففي تفسير التبيان للشيخ الطوسي (460 ه) ولدى تفسير «الظلم» من قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَْمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ (17)
وبعد أن يذكرالشيخ الطوسي أن الظلم المذكور في الآية هو الشرك عند أكثر المفسرين: ابن عباس وسعيد بن المسيب وقتادة ومجاهد وحماد بن زيد وأبيُّ بن كعب وسلمان (رحمة الله عليه) . يقول:
قال أبيُّ: ألم تسمع قوله:
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (18)
وهو ما جاء فيما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لما نزلت هذه الآية شق على الناس، وقالوا: يا رسول الله! وأيّنا لا يظلم نفسه، فقال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح:
يا بُنَىَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
آيات ذات موضوع واحد
ولقد وجد في تفسير أبي بن كعب محاولة لجمع الآيات ذات الموضوع الواحد، ومن أمثلته ما جاء عنه في تفسير الآية الكريمة: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ لْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ
قال: «جمعهم يومئذ جميعاً ما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم استنطقهم، وأخذ عليهم الميثاق، ثم قال: وفيهم الأنبياء (عليهم السلام) يومئذ مثل السرج، وخص الأنبياء بميثاق آخر، قال الله:
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ لنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً (19)
وهو الذي يقول تعالى ذكره: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ للهِ لَّتِى فَطَرَ لنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ للهِ ذَلِكَ لدِّينُ لْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ لنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (20) وفي ذلك قال: هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ لنُّذُرِ لأُوْلَى (21) يقول: أخذنا ميثاقه مع النذر الأولى،
ومن ذلك قوله: (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) (22) ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بِلْبَيِّنتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ لْمُعْتَدِينَ (23) قال: كان في علمه يوم أقروا به من يصدق ومن يكذب» (24)
التفسير بالمأثور