83وروى أبو الزبير عن جابر: أن رسولالله (ص) قال: « وَلْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ - قال: عشر الأضحى، فهي ليال عشر على هذا القول؛ لأن ليلة يوم النحر داخلة فيه، إذ قد خصها الله بأن جعلها موقفاً لمن لم يدرك الوقوف يوم عرفة. وإنما نكرت ولم تعرّف لفضيلتها على غيرها، فلو عُرِّفت لم تستقل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير، فنكرت من بين ما أقسم به، للفضيلة التي ليست لغيرها. والله أعلم.
وعن ابن عباس أيضاً: هي العشر الأواخر من رمضان؛ وقاله الضحاك. وقال ابن عباس أيضاً ويمان والطبريّ: هي العشر الأول من المحرّم، التي عاشِرها يوم عاشوراء. وعن ابن عباس «وَلَيَالِ عَشْرٍ» (بالإضافة) يريد: وليالي أيام عشر.
وأما الزمخشري في تفسير الكشاف فقد صرح بأنه أراد بالليالي العشر: عشر ذي الحجة.
فإن قلت: فما بالها منكرة من بين ما أقسم به؟ قلت: لأنها ليال مخصوصة من بين جنس الليالي العشر بعض منها. أو مخصوصة بفضيلة ليست لغيرها. فإن قلت: فهلا عرفت بلام العهد، لأنها ليال معلومة معهودة؟ قلت: لو فعل ذلك لم تستقل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير؛ ولأن الأحسن أن تكون اللامات متجانسة، ليكون الكلام أبعد من الألغاز والتعمية، وبالشفع والوتر: إما الأشياء كلها شفعها ووترها، وإما شفع هذه الليالي ووترها. ويجوز أن يكون شفعها يوم النحر، ووترها يوم عرفة، لأنه تاسع أيامها وذاك عاشرها، وقد روي عن النبي (ص) أنه فسرهما بذلك. وقد أكثروا في الشفع والوتر حتى كادوا يستوعبون أجناس ما يقعان فيه، وذلك قليل الطائل، جدير بالتلهي عنه. .
والسيد الطباطبائي لا يستبعد أن يكون المراد بالفجر هو فجر يوم النحر وهو عاشر ذي الحجة فيما يصف الوجوه الأخرى أنها ردية كما يعبر، أما فيما يتعلق بالآية: وَ لَيالٍ عَشْرٍ فهو يميل إلى أنها الليالي العشر من أول ذي الحجة، وأن وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ يوم التروية ويوم عرفة. وهذا هو نص كلامه:
ولعل ظاهر قوله:
وَ الْفَجْرِ أن المراد به مطلق الفجر ولا يبعد أيضاً أن يراد به فجر يوم النحر وهو عاشر ذي الحجة.
وقيل: المراد فجر ذي الحجة، وقيل: فجر المحرم أول السنة وقيل: فجر يوم الجمعة، وقيل فجر ليلة جمع، وقيل: المراد به صلاة الفجر، وقيل: النهار كله وقيل: فجر العيون من الصخور وغيرها وهي وجوه ردية.
وقوله: وَ لَيالٍ عَشْرٍ لعل المراد بها الليالي العشر من أول ذي الحجة إلى عاشرها والتنكير للتفخيم.
وقيل: المراد بها الليالي العشر من آخر شهر رمضان، وقيل: الليالي العشر من أوله، وقيل الليالي العشر من أول المحرم، وقيل: المراد عبادة ليال عشر على تقدير أن يراد بالفجر صلاة الفجر.
وقوله وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ يقبل الانطباق على يوم التروية ويوم عرفة، وهو الأنسب على تقدير أن يراد بالفجر وليال عشر فجر ذي الحجة والعشر الأول من لياليها. (30)
كما أن علي بن إبراهيم القمي يذهب في تفسيره إلى أن وَ لَيالٍ عَشْرٍ هي عشر ذي الحجة، وكذا زيد بن علي (عليهما السلام) (120 ه-) في تفسير غريب القرآن.
وَ لَيالٍ عَشْرٍ. . حقاً إنها آيات جميلة، لا يعلم أسرارها إلا الله سبحانه وتعالى، سواء أكان مرادها العشرالأواخر من شهر رمضان المبارك أم مرادها العشرالأوائل من شهر ذي الحجة المبارك المؤيد بالروايات وبما ذهب إليه عدد من كبار المفسرين، فهي أيام لها وقع عظيم على النفوس المؤمنة وهي أوقات طيبة، تشكل موسماً يكفي في بركاته وفضائله وعطاءاته أنه أيام معلومات اختارها الله تعالى؛ لتطل السماء من خلالها على خلائق اجتمعت تلبيةً لنداء خالد أطلقه خليل الرحمن إبراهيم منذ أربعة آلاف عام تزيد أو تنقص قليلاً: وَ أَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ