82وواصل كلامه في ذكر القول الثاني:
وقيل: المراد بذلك: العشر الأول من المحرم، حكاه أبو جعفر بن جرير، ولم يعزه إلى أحد، وقد روى أبو كدينة عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس: (وَلَيالٍ عَشْرٍ) قال: هو العشر الأول من رمضان.
ثم ينتهي إلى القول:
والصحيح القول الأول. قال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا عياش بن عقبة، حدثني خير بن نعيم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي (ص) قال: «إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر» ، ورواه النسائي عن محمد بن رافع وعبدة بن عبد الله، وكل منهما عن زيد بن الحباب به. ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث زيد بن الحباب به، وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم، وعندي أن المتن في رفعه نكارة، والله أعلم.
وقوله تعالى: وَلشَّفْعِ وَلْوَتْرِ قد تقدم في هذا الحديث: أن الوتر يوم عرفة؛ لكونه التاسع، وأن الشفع يوم النحر؛ لكونه العاشر، وقاله ابن عباس وعكرمة والضحاك أيضاً (قول ثان) وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثني عقبة بن خالد عن واصل بن السائب قال: سألت عطاء عن قوله تعالى: وَلشَّفْعِ وَلْوَتْرِ قلت: صلاتنا وترنا هذا؟ قال: لا، ولكن الشفع يوم عرفة، والوتر ليلة الأضحى (قول ثالث) قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عامر بن إبراهيم الأصبهاني، حدثني أبي عن النعمان، يعني: ابن عبد السلام، عن أبي سعيد بن عوف، حدثني بمكة قال: سمعت عبد الله بن الزبير يخطب الناس، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! أخبرني عن الشفع والوتر، فقال: الشفع قول الله تعالى: فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ والوتر قوله تعالى: وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ . وقال ابن جريج: أخبرني محمد بن المرتفع: أنه سمع ابن الزبير يقول: الشفع أوسط أيام التشريق، والوتر آخر أيام التشريق. . .
القرطبي في تفسيره:
قوله تعالى: وَلْفَجْرِ أقسم بالفجر. وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَلشَّفْعِ وَلْوَتْرِ * وَللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ أقسام خمسة.
واختُلِف في «الفجر» ، فقال قوم: الفجر هنا: انفجار الظلمة عن النهار من كل يوم؛ قاله عليّ وابن الزُّبير وابن عباس رضي الله عنهم. وعن ابن عباس أيضاً أنه النهار كله، وعَبَّر عنه بالفجر لأنه أوّله. وقال ابن مُحَيْصِن عن عطية عن ابن عباس: يعني فجر يوم المحرم. ومثله قال قتادة. قال: هو فجر أوّل يوم من المحرم، منه تنفجر السنة. وعنه أيضاً: صلاة الصبح.
وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: «والفجر» : يريد صبيحة يوم النحر؛ لأن الله تعالى جل ثناؤه جعل لكل يوم ليلة قبله، إلا يوم النحر لم يجعل له ليلة قبله ولا ليلة بعده؛ لأن يوم عرفة له ليلتان: ليلة قبله وليلة بعده، فمن أدرك الموقف ليلة بعد عرفة، فقد أدرك الحج إلى طلوع الفجر، فجر يوم النحر. وهذا قول مجاهد.
وقال عكرمة: «والفجر» قال: انشقاق الفجر من يوم جَمْع. وعن محمد بن كعب القُرَظيّ: «والفجرِ» آخر أيام العشر، إذا دفَعْتَ من جَمْع. وقال الضحاك: فجر ذي الحجة، لأن الله تعالى قرن الأيام به فقال: وَلَيالٍ عَشْرٍ أي ليال عشر من ذي الحجة. وكذا قال مجاهد والسدّيّ والكلبيّ في قوله: وَلَيالٍ عَشْرٍ هو عشر ذي الحِجة، وقال ابن عباس. وقال مسروق هي العشر التي ذكرها الله في قصة موسى (ع)
وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ (29)
وهي أفضل أيام السنة.