59ثمّ قال: يا أبا حنيفة، هات من مسائلك نسأل أبا عبدالله، فابتدأت أسأله. فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا، فربما تابَعَنا وربما تابعَ أهل المدينة، وربما خالفنا جميعاً، حتّى أتيت على أربعين مسألة ما أخرِمُ منها مسألة. ثمّ قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟ !
وبه، قال أبو نُعيم: حدّثنا أبو أحمد الغِطرِيفي، حدّثنا محمّد بن أحمد بن مُكرَم الضّبي، حدّثنا عليّ بن عبد الحميد، حدّثنا موسى بن مسعود، حدّثنا سفيان قال: دخلتُ على جعفر بن محمّد وعليه جبّة خزّ دكناء أبدجاني فجعلتُ أنظر إليه تعجّباً، فقال: ما لكَ يا ثوريّ؟ قلت: يا ابن رسول الله، ليس هذا من لباسك، ولا لباس آبائك، فقال: كان ذاك زماناً مقتراً، وكانوا يعملون على قدر إقتاره وإفقاره، وهذا زمان قد أسبل كلّ شيء فيه عزاليه (46) . ثمّ حسر عن ردن جبّته، فإذا فيها جبّة صوف بيضاء يقصر الذيلُ عن الذّيلِ، وقال: لبسنا هذا لله، وهذا لكم، فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه.
وقيل: كان جعفر يقول: كيف أعتذر وقد احتججت، وكيف أحتج وقد علمت؟
روى يحيى بن أبي بكير عن هيّاج بن بسطام، قال: كان جعفر بن محمّد يُطعم حتّى لا يَبقى لعياله شيء.
قال المدائني، وشباب العُصفري، وعدّة: مات جعفر الصادق في سنة ثمان وأربعين ومائة. وقد مرَّ أنّ مولده سنة ثمانين، أرّخه الجِعَابي (47) ، وأبو بكر بن منجويه، وأبو القاسم اللاَّلكائي (48) ، فيكون عمره ثمانياً وستّين سنة رحمه الله.
لم يخرج له البخاري في الصحيح، بل في كتاب الأدب وغيره.
وله عدّة أولاد: أقدمهم إسماعيل بن جعفر ومات شابّاً في حياة أبيه، سنة ثمان وثلاثين ومائة، وخلّف محمّداً وعليّاً وفاطمة، فكان لمحمّد من الولد جعفر وإسماعيل فقط، فولد جعفر محمّداً، وأحمد دَرَجَ، ولم يُعقب، فولد لمحمّد بن جعفر، جعفر وإسماعيل وأحمد وحسن، فولد لحسن جعفر الذي مات بمصر سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وخلّف ابنه محمّداً، فجاءه خمسة بنين، وولد لإسماعيل بن محمّد، أحمد ويحيى ومحمّد وعلي دَرَج ولم يُعقب، فولد لأحمد جماعة بنين، منهم إسماعيل بن أحمد المتوفّى بمصر سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، فبنُوا محمّد بن إسماعيل بن جعفر عدد كثير كانوا بمصر، وبدمشق وقد استوعبهم الشريف العابد أبو الحسين محمد بن عليّ بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، ويُعرف هذا بأخي مُحسّن، كان يسكن بباب توما (49) . مات قبل الأربعمائة. وذكر منهم قوماً بالكوفة. وبالغ في نفي عُبيد الله المهدي من أن يكون من هذا النسب الشريف، وألّف كتاباً في أنّه دعي، وأنّ نحلته خبيثة، مدارها على المخرقة والزندقة.
رجعنا إلى تتمّة آل جعفر الصادق، فأجلّهم وأشرفهم ابنه:
موسى الكاظم (ت، ق) . الإمام، القوة، السيّد أبو الحسن العلوي، والد الإمام عليّ بن موسى الرضا، مدنيّ نزل بغداد.
وحدّث بأحاديث عن أبيه، وقيل: إنّه روى عن عبدالله بن دينار، وعبد الملك بن قدامة.
حدّث عنه أولاده: عليّ، وإبراهيم، وإسماعيل، وحسين. وأخواه: عليّ بن جعفر، ومحمّد بن جعفر، ومحمّد بن صدقة العنبري، وصالح بن يزيد، وروايته يسيرة لأنّه مات قبل أوان الرواية، رحمه الله.
ذكره أبو حاتم فقال: ثقة، صدوق، إمام من أئمّة المسلمين.
قلت: له عند الترمذي، وابن ماجة حديثان.
قيل: إنّه ولد سنة ثمان وعشرين ومائة بالمدينة.
قال الخطيب: أقدمه المهدي بغداد، وردّه، ثمّ قدمها. وأقام ببغداد في أيّام الرشيد، قدم في صحبة الرشيد سنة تسع وسبعين ومائة، وحبسه بها إلى أن توفّي في محبسه.