35والسعي الذي يفقد التقوى يقع بين معصية الله ورفض القبول من جانب الله.
أمّا المعصية، فإنّ الله تعالى قد يغفر لصاحبها وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (74) . وأمّا رفض القبول، فإنّ الآية السابعة والعشرين من سورة المائدة واضحة في أنّ التقوى شرط القبول، ومن دونها لا يتقبّل الله الأعمال: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ وإنّما هنا للحصر، والحصر بمعنى الإيجاب والسلب.
وأمّا شرط (الذِّكر) و (الإخلاص) فهما شرطان في كمال السعي، ويبلغ السعي ذروته بالإخلاص والاستعانة بالله وذكر الله تعالى.
أعراض السعي للدُّنيا
وكما أنّ السعي من منازل رحمة الله، فإنّ للسعي للدُّنيا في حياة الناس أعراضاً على درجة كبيرة من الخطورة؛ وذلك أنّ السعي للدُّنيا يتطلّب الاحتكاك والتماس مع (المال) ومع (الناس) .
ولهذا التماس المزدوج مردودات سلبيّة ثلاثة في حياة الإنسان، يسقط عندها خلقٌ كثير، وهذه المردودات الثلاثة، هي:
1 - في علاقة الإنسان بالله.
2 - وفي علاقة الإنسان بالناس.
3 - في علاقة الإنسان بالمال.
وإليك توضيح موجز لهذه المردودات الثلاثة:
أ- أعراض السعي في علاقة الإنسان بالله
التعامل المباشر مع (المال) و (المادّة) ، من دون وجود ضمانات ومؤمّنات تؤمِّن وتضمن سلامة الإنسان في علاقته بالله تعالى يُعرِّض علاقة الإنسان بالله تعالى لأضرار وأخطار كبيرة.
ذلك أنّ التعامل المباشر والمستمرّ مع (الأسباب) تضعّف علاقة الإنسان ب-(المسبِّب) الحقيقي، وهو الله تعالى، وتضعّف إحساس الإنسان ووعيه لسلطان الله تعالى وحوله وقوّته التي يؤول إليها كلّ حول وقوّة وسلطان.
وهو أثرٌ طبيعيّ للتعامل مع الأسباب المادّية في السوق، إذا كان لا يقترن بذكر الله. وذكر الله تعالى هو المؤمّن والضمان الحقيقي للسلامة من هذا الخطر.
ويتدرّج الإنسان على هذا الخطّ النازل في علاقته بالله فتقوى ثقته بالأسباب المادّية التي يتعامل معها في الأسواق، أو في ساحة السياسة والإعلام، أو في المعمل، أو في المزرعة، وبقدر ما تتأكّد ثقته بها، تضعف ثقته بالله من حيث يشعُر أو لا يشعُر.
فتتحوّل ثقة الإنسان بالتدريج من المسبِّب إلى السبب. وهذا هو بعض حدود الشرك وبعض أنواع الشرك الخفيّ الذي يتسلّل إلى عقل الإنسان وقلبه، من دون أن يشعر أحياناً.
وإذا تحوّلت ثقة الإنسان بالتدريج من المسبِّب إلى الأسباب تضعف إستعانته بالله وتوكّله على الله.
سعي الإنسان بين إياك نعبد وإيّاك نستعين
وهو أحد شطري علاقة الإنسان بالله تعالى؛ فإنّ علاقة الإنسان بالله لا تتجاوز (خطّ العبادة) و (خطّ الاستعانة) .