34إنّ قيمة العمل بالكلم الطيّب.
ولولا الكلم الطيّب فلا قيمة للعمل.
إنّ الصلاة من دون نيّة القربة، ومن دون الخشوع وحضور القلب لا قيمة لها. . . وقيمة الصلاة بهذا الكلم الطيّب.
والصوم من دون كفّ النفس عن مشتهياتها والقُرب إلى الله بذلك لا قيمة له.
والذي يصعد إلى الله من الإنسان هو هذا الكلم الطيّب: وهو (الإخلاص، والتوحيد، والإيمان، والتعبّد، والتقوى، والحبّ، والإيثار. . . إلى آخره) إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ . أمّا العمل الصالح الذي يمارسه الإنسان، فلا يزيد على أن يكون عاملاً لصعود الكلم الطيّب إلى الله وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ .
صحيح أنّ التقوى هي التي تصعد إلى الله، ولكن الذي يرفع التقوى إلى الله هو كفّ النفس عن شهواتها عندما يواجه الإنسان فتنة من مغريات الدُّنيا. . . وهذا هو العمل الصالح، وصحيح أنّ التوحيد هو الذي يصعد إلى الله، ولكن الذي يرفع التوحيد إلى الله، هو عبادة الله تعالى وحده وطاعته ورفض الطاغوت والشيطان، وعدم الانقياد والطاعة لهما ومكافحتهما، وهذا هو مقام العمل.
وصحيح أنّ الإيثار هو الذي يصعد إلى الله، ولكن الإنفاق هو الذي يرفع الإيثار إلى الله، وهو العمل.
إذن، الذي يصعد إلى الله هو الكلم الطيّب، وأمّا العمل الصالح فهو الذي يرفع الكلم الطيّب إلى الله.
ومن دون الكلم الطيّب لا قيمة للعمل.
ومن دون العمل لا يصعد الكلم الطيّب إلى الله.
والكلمات الطيّبة الأربع التي ذكرناها في ضوابط السعي هي التي تصعد إلى الله، وليس السعي، ولكنّها لا تصعد إلى الله إلاّ بالسعي، ومن دون السعي، ومجرّدة عن السعي لا تصعد إلى الله. فالسعي شرطٌ لصعود الكلمات الطيّبة الأربع إلى الله.
كما أنّ قيمة (السعي) وكماله في هذه الكلمات الأربع، ومن دونها لا قيمة للسعي.
إذن، بإمكاننا أن نختصر هذا العنوان بهاتين الكلمتين:
1 - لا قيمة للسعي من دون الكلمات الأربع المتقدِّمة.
2 - ولا تصعد هذه الكلمات إلى الله تعالى من دون عامل (السعي) .
قيمة السعي بالكلمات الأربع
لقد تحدّثنا عن الكلمات الأربع التي تضبط سعي الإنسان في الحياة الدُّنيا، وهي: التوحيد، والإخلاص، والذِّكر، والتقوى.
وهذه الكلمات هي أعظم الكلمات التي تضبط سعي الإنسان في الحياة الدُّنيا، ولكلّ منها دور في سعي الإنسان.
أمّا (التوحيد) فهو شرط الإيمان، ومن دون هذا الشرط يكون السعي نوعاً من أنواع الشرك الخفيّ أو الجليّ. . . وبالشرك تسقط قيمة السعي سقوطاً نهائياً.
إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (72) .
وأمّا شرط (التقوى) فهو شرط في سلامة العمل، ومن دون التقوى يكون العمل باطلاً وفاسداً، وهو دون شرط التوحيد، لأنّ الله لا يغفر أن يُشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
وهو شرط قبول السعي؛ لأنّ الله تعالى إنّما يتقبّل من المتّقين إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِن الْمُتَّقِينَ (73) .