29ويأمرنا الله تعالى أن نعرِض عن اُولئك الذين تستغرق الحياة الدُّنيا كلّ اهتمامهم وطموحهم، يقول تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) .
وينهانا الإسلام عن الحرص في طلب الحياة الدُّنيا.
يقول أمير المؤمنين (ع) في وصف الدُّنيا: «مَن ساعاها فاتته، ومَن قعد عنها واتته» (30) .
يعني مَنْ بذل كلّ اهتمامه وجهده في طلب الدُّنيا فاتته، ومَنْ تجمّل في طلب الرزق واتته الدُّنيا.
5 - وينهى الله تعالى عن طلب الرزق من غير الموارد التي حلّلها الله تعالى، وقد حدّد الله حدوداً للسعي إلى الرزق، وحرّم تجاوز هذه الحدود، وحرّم أكل المال بالباطل.
يقول تعالى: وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (31) .
ويقول تعالى: إِنَّ كَثِيراً مِن الاَْحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ (32) .
6 - ويُرغّبنا الله تعالى بابتغاء فضل الله بالسعي إلى الرزق.
يقول تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ (33) .
ويقول تعالى: وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (34) .
ويقول تعالى: رَبُّكُمْ الَّذِى يُزْجِى لَكُمْ الْفُلْكَ فِى الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ (35) .
ويقول تعالى: اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَجْرِىَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ (36) .
وهذا أيضاً من المبادئ الهامّة في القرآن الكريم، وعلى الإنسان أن يجعل وجهه دائماً في ابتغاء الرزق إلى الله، وكما يسلّم الإنسان وجهه لله تعالى في العبادة، كذلك عليه أن يسلّم وجههلله عند السعي في طلب الرزق، فإنّ السعي في الرزق هو ابتغاء فضل الله ورحمته.
7 - الموازنة بين الدُّنيا والآخرة، فلا ينصرف إلى الدُّنيا كلّ الانصراف حتّى تُنسيه الآخرة، ولا يعرِض عن الدُّنيا وعمّا يؤتي الله تعالى عباده من الرزق فيها، كلّ الإعراض، ولا يقبض يده كلّ القبض، ولا يبسطها كلّ البسط، وإنّما يسعى للموازنة بين الدُّنيا والآخرة في سعيه وجُهده.
يقول تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الاْخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِن الدُّنْيَا (37) .
ويقول تعالى فيما يعلِّم عباده من الدُّعاء: رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الاْخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (38) .
هذه خلاصة من النهج الإسلامي لتهذيب (السعي) في الحياة الدُّنيا، وهي جميعاً، كما يتّضح من خلال قراءة سريعة، توجّه سعي الإنسان إلى الحالة الربّانية، وإضفاء الصبغة الإلهيّة على سعي الإنسان في الدُّنيا.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا ابتغاء وجهه الكريم في أحوالنا جميعاً في كدحنا وسعينا.
الضوابط الأربعة للسعي
علمنا أنّ السعي جزء لا يتجزّأ من حركة الإنسان إلى الله، ولا يتكامل الإنسان في هذه الدُّنيا إلاّ من خلال (السعي) . ولا يخلو إنسان خلقه الله تعالى على وجه الأرض من (السعي) .
إذن، فالسعي مسألةٌ ذات أهمّية كبيرة في حياة الإنسان في هذه الدُّنيا. ومن الضروري أن نتوقّف عند تحديد الضوابط التي جعلها الإسلام للسعي، وهذه الضوابط أربعة، نذكرها تِباعاً:
1 - التوحيد.