28وهذه من سنن الله تعالى التي لا تتبدّل ولا تتغيّر: وهي أنّ الله تعالى جعل السعي مفتاحاً لرحمته في الدُّنيا والآخرة.
ولا ينال الإنسان رزقاً من رزق الله إلاّ بالسعي، يقول تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلاِْنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (19) .
أُصول النظريّة الإسلاميّة في السعي للدُّنيا
عوداً على بدء، نعود إلى الحديث مرّةً اُخرى عن مجمل التصوّر الذي يقدِّمه الإسلام عن (السعي) .
وأهمّ النقاط التي تدخل في تكوين النظريّة الإسلاميّة في (السعي) ، هي:
1 - الدعوة إلى السعي وإقراره، والتأكيد عليه، والدعوة إلى عمارة الأرض من خلال السعي، يقول تعالى: فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِى الاَْرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ (20) .
2 - تعميق مبدأ أنّ الرزق من عند الله تعالى فقط. يقول تعالى: إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (21) .
ويقول تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِن السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ قُلْ اللهُ (22) .
ويقول تعالى: وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب (23) .
ويقول تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (24) .
وهذا مبدأ هامّ في الإسلام، وشعبة من شعب التوحيد؛ وهو توحيد الله تعالى في الرزق. . . وكذلك الأمر في توحيد الله في الشفاء وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (25) ، وتوحيد الله في (النصر) وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ (26) ، وغير ذلك من وجوه سعي الإنسان في الحياة الدُّنيا.
3 - وسعي الإنسان في طلب الرزق لا يزيد على أن يكون ابتغاءً للرزق من فضل الله ورحمته وطلباً لرزقه.
وفرق شاسع بين المفهومين:
بين أن يكون الإنسان هو الذي يحقّق رزقه بيده في السوق.
أو أن يطلب رزق الله وفضله الذي قدّره تعالى له في السوق.
والأوّل من الشرك، والثاني من التوحيد.
والقرآن الكريم يؤكّد بشكل عجيب على تثبيت أنّ الرزق من عند الله، وأنَّ سعي الإنسان في طلب الرزق لا يزيد على أن يكون ابتغاءً من فضل الله ورحمته.
وهذه النقطة تأتي نتيجة للنقطة المتقدِّمة، فإنّ الرزق إذا كان من عند الله تعالى خالصاً، فلا محالة يكون دور الإنسان في السعي إلى الرزق هو ابتغاء فضل الله.
ففي آية سورة الجمعة التي تلوناها قبل قليل وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ .
4 - التجمّل في طلب الرزق.
وينهى الإسلام عن الحرص والجشع في طلب الرزق، ويأمرنا بالتجمّل في السعي، وينهانا عن أن نمدّ عيوننا إلى ما متّع الله الناس به من زهرة الحياة الدُّنيا.
يقول تعالى: وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (27) .
ويزهّدنا الله في متاع الحياة الدُّنيا ويرغّبنا في متاع الآخرة.
يقول تعالى: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الاْخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (28) .