68
قراءة في سورة الحج
محسن الأسدى
تعدّ هذه السورة المباركة من السور القرآنية العجيبة لأنها وسورة الجمعة تحملان اسماً يدل على فريضة عبادية، وإذا تمعنا أكثر لوجدنا أن سورة الجمعة تتحدث عن صلاة الجمعة وهي فريضة واحدة من فرائض الصلاة لا عن الصلاة ككل، وعندئذ نعرف أن سورة الحج التي نحن بصددها تفردت بأنها السورة الوحيدة التي سميت بهذا الاسم «الحج»، تخليداً لدعوة الخليل إبراهيم(ع) وندائه للناس لحج بيت الله الحرام، وذلك بعد انتهائه وابنه إسماعيل(ع) من بناء البيت العتيق وتطهيره كما يأتينا في الآيات التي ذكرناها ضمن المقالة هذه:
فتواضعت الجبال حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع نداؤه من هم في الأصلاب والأرحام وأجابوا النداء «لبيك اللهم لبيك..» كما تذكره كتب المفسرين . ولأن الحج فريضة عبادية ذات مكانة كبيرة ومنزلة رفيعة بمناسكه العديدة وبمبادئه الجليلة في الشريعة الإسلامية وفي الساحة الإيمانية . . فنالت اهتماماً كبيراً من قبل المسلمين وحظيت باهتمام واسع من قبل العلماء والفقهاء والمؤرخين والمفكرين والأدباء والشعراء والكتاب، وتوفرت على الكثير من المدونات والمصادر والمؤلفات المتحدثة عنها فقهاً وأحكاماً ومفاهيم وتاريخاً وأهدافاً ومنافع. . قد لا نجد مثيلاً لها في الفرائض العبادية الأخرى...
وهذا ما جعل لسورة الحج قيمة مضاعفة، فإضافة إلى أن لسورة الحج قيمة بذاتها حالها حال أي سورة قرآنية، تبرز قيمة أخرى لها من خلال موضوعها لأن الموضوع الأساسي للسورة كما هو واضح هو الحديث عن هذا الواجب العظيم من واجبات الإسلام . وأهمية الحج أنه من أسمى العبادات التي يترك فيها المسلم كثيراً من عاداته التي تعوّد عليها في حياته ، ليبني نفسه من جديد ويعودها على الالتزام والجدية والصبر واقتحام الصعاب وتحمل المتاعب، وأن يجعل نفسه تتذوق معاني العبودية المطلقة الخالصة لله وحده تبارك وتعالى..
وهنا نحاول أن نعيش أجواء بعض آياتها، وهل هناك من ارتباط بين ما تتضمّنه هذه السورة القرآنية من مواضيع متعددة وفريضة الحج وأجوائها وغاياتها، من خلال تعرّضنا لبعض آيات الحج في السور : البقرة وآل عمران والمائدة، وفيما تتوفر عليه هذه السورة المباركة من آيات تشكل موضوع الحج فيها والتي كانت كما يبدو السبب في تسميتها بالحج، وقد كانت مصدر استفادة العديد من أحكام الحج وأحكام مناسكه وآدابه وأهدافه وما يتعلق به . فشأن هذه السورة شأن سائر السور المدنية التي تُعنى بأمور التشريع..
ومن الأمور اللافتة الأخرى لهذه السورة أنها مع مدنيتها إلا أنها يغلب عليها جوّ السور المكية وموضوعات السور المكية كالتوحيد والإِيمان، والإِنذار والتخويف من الساعة وإثبات البعث والجزاء وإنكار الشرك ومشاهد القيامة وأهوالها وآيات الكون المبثوثة في صفحات الكون كلها بارزة في السورة ، حتى ليكاد يُخيل للقارئ أنها من السور المكية . .