641. قد عرف عن الشرع الإسلامي الشريف من طريق الاستقراء أن الحدود للمشاعر هي الحدود الطبيعية من وديان ، وجبال ، وأكمات . هذه القاعدة تنطبق تماماً على جبلي الصفا والمروة بحدودهما الطبيعية من الجهتين العرضيتين الشرقية والغربية،
2. استيفاء المسافة في السعي بين الصفا والمروة في حدودهما الطبيعية تحقيق للمطلوب الشرعي في المكان المحدد شرعاً في كل من الشعيرتين .
ليس هذا بدعاً في هذه الشعيرة ، بل يمتد هذا المعنى في كافة المشاعر، مثلاً: الوقوف بعرفة، والمزدلفة، ومنى المقصود من ذلك هو الكينونة في محدود مسماها، والسعي بين الصفا والمروة ليس بدعاً من تلك المشاعر مادام الأداء متحققاً في حدود العرض الطبيعي لمسمى الجبلين.
آخراً وليس أخيراً، فإنه من الواجب أن أنوه هنا بالإضافة المهمة المفيدة التي دونها العلامة الفقيه المحقق الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله بعد اطلاعه على البحث المبدئي لتوسعة المسعى؛ لتأييد ماسبق ذكره من حقائق وتأكيدها قائلاً:
«ومع ذلك كله فهناك قرائن تدل على أن المسعى كان أوسع حتى من الجانب الآخر الذي يقابل المسجد ، وهذه القرائن عبارة :
1. أن الصفا جزء من جبل أبي قبيس كما أن المروة جزء من جبل قعيقعان فمن البعيد أن يكون طول الجبل وامتداده حوالي 20 متراً من غير فرق بين الصفا والمروة ، وهذا يدل على أن الامتداد الحالي ليس هو كما في السابق لحصول الحفريات على جانبيه .
2. توجد حالياً بقايا من جبل المروة خارج المسعى في الجانب الشرقي، وهذا يدل على امتداده سابقاً ، ولكنه حفر لإيجاد الطريق .
3. يظهر من الحاكم في ترجمة الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي قوله : إن دار الأرقم وهو الدار التي كان النبي(ص) يدعو الناس فيها إلى الإسلام، وأسلم فيها قوم كثير أن داره كانت على الصفا ، وتصدق بها الأرقم على ولده ، فقرئت نسخة صدقة الأرقم بداره: (بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما قضى الأرقم في ربعه ما حاز الصفا أنها صدقة بمكانها من الحرم لاتباع ، ولا تورث) . إلى أن قال الحاكم : فلم تزل هذه الدار صدقة قائمة فيها ولده يسكنون ويؤجرون، ويأخذون عليها حتى كان زمن أبي جعفر: قال محمد بن عمر : فأخبرني أبي عن يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم أنه يسعى بين الصفا والمروة في حجة حجها ونحن على ظهر الدار فيمر تحتنا ، لو شئت أن آخذ قلنسوته لأخذتها ، وإنه لينظر إلينا من حين يهبط الوادي حتى يصعد إلى الصفا) 1.
وهذه الوثيقة التاريخية تدفعنا إلى القول : أن المسعى من جانبه الشرقي كان أوسع مما عليه الآن .
4. أن دار الأرقم صارت في السنوات السالفة مكاناً لما يسمى ( دار الحديث المكي) ، ولو بذلت جهود لسؤال المسنين والمعمرين الذين شاهدوا دار الحديث قبل التوسعة ، وحددوا مقدار الفاصلة بينه وبين المسعى الحالي لكان ذلك دليلاً للموضوع . 2
هذا وقد نشر المشرفون على التوسعة مخططاً أوضحوا فيه أن دار الأرقم بن أبي الأرقم ( دار الحديث) كما ورد في المصادر التاريخية كانت تقع في المسعى ، وهي الآن تبعد عن المسعى الحالي 21/18متراً ، وبما أن مشروع التوسعة الجديد يمتد إلى شرق المسعى 20 متراً فيكون الامتداد ضمن المسعى الواقعي .
وهذا الذي يعاني منه العلماء والمحققون اليوم هو أحد النتائج السلبية التي سببها هدم الآثار التاريخية المتعلقة بعصر النبي (ص) ، وصدر الإسلام ، والكثير من المعالم الإسلامية في مكة والمدينة المنورة .
ولو كانت التوسعة مقرونة بحفظ معالم الإسلام وآثاره لما ضاع علينا معرفة حدود المشاعر الإسلامية».
ثم انتهى حفظه الله إلى القول :
«ما ذكرنا من الدراسة يؤيد امتداد جبل الصفا حوالي 20 متراً إلى الشرق» ثم انتقل إلى القول :
«8 . أكدت الدراسات التاريخية والجغرافية والجيولوجية التي قامت بها اللجان المشرفة على توسعة المسعى أن هناك امتداداً سطحياً لجبل المروة بما لا يقل يقيناً عن 25متراً من الناحية الشرقية ، وهذا ما ثبت بعد دراسة عينات الصخور التي أخذت من الناحية الشرقية لجبل المروة والتي ظهرت مشابهتها لصخور المروة» 3.
النتيجة:
يعلم مما تقدم من عرض العناصر السابقة: أن جبلي الصفا والمروة يمتدان عرضاً من جانبيهما بأكثر مما هما عليه في الوقت الحاضر حتى بعد توسعة المسعى ، هذا مؤكد لدى كل من عاصر مكة المكرمة قبل أن تبدأ التوسعة السعودية الأولى للحرم الشريف عام 1375ه، ودرج على ترابها الطاهر طفلاً وشاباً ، فالأمر بالنسبة لكل من عاصر الفترة الزمنية قبل التخطيط الحديث والتغيير للمنطقة التي يقع عليها الجبلان، أن الساعي بينهما في التوسعة الجديدة لم يخرج عن حدودهما العرضية الطبيعية.
في ضوء ما سبق من النصوص الفقهية ، والحقائق التاريخية ، والنتائج العلمية الجيولوجية ، وشهادة أهل الخبرة الثقات من كبار رجال مكة المكرمة الذين عاشوا في تلك المنطقة قبل إزالتها، فإني أرى والله أعلم بالصواب أنه لا مانع من توسعة المسعى من الناحية الشرقية للمسجد الحرام،