116
شخصيات من الحرمين الشريفين (23) أبو سعيد الخدري
محمد سليمان
مازال حديثنا عن مدرسة الصحبة المباركة لرسول الله(ص) من خلال الترجمة لرموزها، الذين خلد ذكرهم بعد أن صدقوا ما عاهدوا الله عليه فما أن ننتهي من رمز حتى ندخل مع رمز آخر ونموذج رائع لها. . مع صحابي وابن صحابي، إنه هذه المرة الصحابي الجليل الخدري الخزرجي
الأنصاري، المولود في السنة العاشرة قبل الهجرة النبوية الشريفة، والمعروف بكنيته أبوسعيد الخدري، ولشهرته بها طغت على اسمه، وهو سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري. . وعن ابن هشام اسمه سنان . وخدرة وخدارة بطنان من الأنصار، وهما ابنا عوف بن الحارث بن الخزرج . وزعم بعض الناس أن خدرة هي أمالأبجر.
أما أمه، فهي أنيسة بنت أبي حارثة من بني عدي بن النجار.
وأخوه لأمه قتادة بن النعمان 1.
لقد كان هذا الصحابي وجهاً بارزاً مشهوراً من الأنصار ومن أفاضلهم، وكان من المحدِثين الكبار، وكان ذا علم ومعرفة وفقه ، وله من الروايات الكثيرة مستقلاً في روايتها أو مشاركاً مع غيره، و رواياته وأقواله تميزت بأنها جاءت في أمهات الأمور التي شكلت أساساً عظيماً وصرحاً كبيراً في البناء العقائدي والتشريعي في الإسلام وتاريخه ومبادئه وقيمه..
ممن شهد بيعة الرضوان
(لَقَدْ رَضِيَ اللّٰهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبٰايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مٰا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثٰابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً...) 2.
في السنة الثامنة للهجرة النبوية وقعت البيعة المعروفة ببيعة الرضوان انطلاقاً من الآية المباركة وما تحمله من رضاء الله تعالى عمن بايع رسوله(ص) في الحديبية تحت الشجرة وهي شجرة السمرة ، ولهذا تسمى بيعة الحديبية وبيعة الشجرة ، وقلوبهم مملوءة بصدق النية واليقين والصبر والوفاء بما عقدوا البيعة عليه . . فكان هذا الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري واحداً من أولئك الصادقين حين شهد بيعة الرضوان، حين جاء رسول الله(ص) إلى الشجرة، فاستند إليها وبايع الناس على أن يقاتلوا المشركين ولا يفروا. . وكان قد أرسل رسول الله(ص) عثمان بن عفان إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائراً البيت معظماً لحرمته، فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله(ص) والمسلمين أن عثمان قد قتل، فاطلق رسول الله(ص) قوله: لا نبرح حتى نناجز القوم ..
وهذا سبب البيعة ونصها، كما قال ابن اسحاق في السيرة : فحدثني عبدالله بن أبي بكر أن رسول الله(ص) قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: لا نبرح حتى نناجز القوم، فدعا رسول الله(ص) الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فكان الناس يقولون، بايعهم رسول الله(ص) على الموت، وكان جابر بن عبدالله يقول: إن رسول الله(ص) لم يبايعنا على الموت، ولكنا بايعنا على أن لا نفرّ.
لقد كان أبوسعيد ممن بايعوا رسول الله(ص) على أن لا تأخذهم في الله لومة لائم، كما يحدثنا سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال : بايعت النبي(ص) أنا وأبو ذر وعبادة بن الصامت ومحمد بن مسلمة وأبو سعيد الخدري وسادس على أن لا تأخذنا في الله لومة لائم، فاستقال السادس فأقاله 3.
يوم أحد
رغبته في أن يكون مقاتلاً في معركة أحد حال دونها رفض رسول الله(ص) لأنه استصغره. . يقول أبو سعيد: عرضت يوم أُحد على النبي(ص) وأنا ابن ثلاث عشرة، فجعل أبي يأخذ بيدي ويقول: يا رسول الله! إنّه عبل ضخم العظام ، و جعل نبي الله(ص) يصعِّد في النظر ويصوِّبه ، ثم قال9: رُدَّهُ ، فردَّني .. 4
وإن حرمه صغر سنّه عن وسام المشاركة في هذه المعركة فقد نال أبوه رضي الله عنه وسام الشهادة الكبير ، وأنه بعيد عن النار ، ففي خبر كما في السيرة النبوية لابن هشام أن رسول(ص) يوم أحد وقع في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون ، فأخذ علي بن أبي طالب(ع) بيد رسول الله(ص) ورفعه طلحة بن عبيدالله حتى استوى قائماً ومص مالك بن سنان أبو سعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله(ص) ثم ازدرده أي ابتلعه، فقال رسول الله(ص) : من مس دمي دمه لم تصبه النار . وقد استشهد مالك بن سنان في هذه الواقعة .
ابن الشهيد!
وإن لم يمنحه سنه فرصة قتال المشركين في معركة أحد إلا أنه وتكريماً لمالك بن سنان ولابنه أبي سعيد أيضاً كان يدعوه رسول الله(ص) وبعض الصحابة: « ابن الشهيد»، كما ورد في راوية طويلة يتحدث فيها أبو سعيد عن صحبته لعلي(ع) إلى اليمن، ورفض علي(ع) استعمال إبل الصدقة من قبل أبي سعيد ومن معه ممن كان في رفقة الإمام علي(ع) قائلاً لهم:
«إنما لكم منها سهم كما للمسلمين».
إنه الحق والعدل والمساواة التي تميزت بها شخصية علي(ع) ولم يدركها ويقدرها هؤلاء الأصحاب؛ مما جعل أبا سعيد يشكو ما يسمّونه غلظة علي(ع) وتضييقه عليهم إلى رسول الله(ص) و هو ما تضمنه قوله: يا رسول الله(ص) ، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق . وهنا يقول سعيد: فانتبذ أي اعتزل ناحية رسول الله(ص) وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله(ص) على فخذي ، وكنت منه قريباً، وقال:
«سعد بن مالك ابن الشهيد، مه بعض قولك لأخيك علي ، فوالله ، لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله».