96أ - الذين اصطحبوا معهم الهدي من المدينة مثل النبيّ(ص) وكان منهم أبو بكر وعمر وطلحة والزبير وجماعة آخرون 1، ولذا فقد بقي هؤلاء مثل النبيّ على إحرامهم ولم يمكنهم الإفادة من رخصة التمتّع.
ب - المجموعة الاُخرى ممّن كان مع النبيّ(ص) وهم الأكثرية، وهم الذين لم يصطحبوا معهم الهدي وكان من هؤلاء أزواج النبيّ(ص) والصدِّيقة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها)، فإنّهم قد خرجوا من لباس الإحرام وجعلوا عملهم عمرة 2.
وطبقاً لإحدى الروايات
فإنّ عليّاً(ع) قد قدم في تلك الفترة من اليمن إلى مكّة «فدخل على فاطمة(سلام الله عليها) وهي قد أحلّت فوجد ريحاً طيّبة ووجد عليها ثياباً مصبوغة فقال: ما هذا يا فاطمة؟ فقالت: أمرنا بهذا رسول الله(ص)، فخرج عليّ(ع) إلى رسول الله(ص) مستفتياً فقال: يارسول الله! إنّي رأيت فاطمة قد أحلّت وعليها ثياب مصبوغة؟ فقال رسول الله(ص): أنا أمرت الناس بذلك، فأنت يا عليّ بما أهللت؟ قال: يارسول الله إهلالاً كإهلال النبيّ، فقال له رسول الله(ص): قرّ على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي، أي إنّي جئت بالهدي من المدينة نيابةً عنك» 3.
واستناداً إلى حديث الإمام الصادق(ع): فإنّه قال
«ونزل رسول الله(ص) بمكّة بالبطحاء هو وأصحابه ولم ينزل الدور، فلمّا كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلّوا بالحجّ.. فخرج النبيّ وأصحابه مهلّين بالحجّ حتّى أتى منى... ثمّ غدا والناس معه إلى عرفات و..» 4.
تشريع حجّ التمتّع في روايات أهل السنّة
إنّ ما تقدّم كان حول كيفيّة حجّ التمتّع استناداً إلى روايات الشيعة، أمّا تشريع هذا الحكم في روايات أهل السنّة فقد نقل بكثرة أيضاً، وبعبارة اخرى: إنّه قد نقلت كيفيّة حجّ رسول الله(ص) التي تتضمّن تشريع عمرة التمتّع أيضاً عن طريق كثير من أصحاب النبيّ(ص)، وقد سجّلت تلك الروايات في المجاميع الروائية، لكن في هذه المجاميع روايات اخرى أيضاً ملفتة للنظر وهي التي تحكي عدم رضا بعض الصحابة عن تشريع هذا الحكم الشرعي وأحكام أخرى، ولذا فقد وقع بعض الاختلافات والتعارض في روايات أهل السنّة بخصوص عمرة التمتّع، فينبغي أن نستعرض هنا نماذج من الروايات المختلفة لكي يتسنّى إصدار الحكم المناسب بينها:
أ- روايات أهل السنّة في تشريع أصل حجّ التمتّع:
إنّ روايات أهل السنّة في تشريع أصل حجّ التمتّع كثيرة ومتنوّعة، وطبقاً لبعض الأبحاث فإنّه قد نقلها أكثر من 15 صحابيّاً، وهم عبارة عن: جابر بن عبدالله الأنصاري، أبو سعيد الخدري، البراء بن عازب، عليّ(ع)، أنس بن مالك، أبو موسى الأشعري، ابن عبّاس، ابن عمر، سبرة بن معبد الجهني، سراقة بن مالك المدلجي، أبو ذر، معقل بن يسار، فاطمة الزهراء(سلام الله عليها)، حفصة، عائشة، وأسماء بنت أبي بكر 5.
ومن هذه الروايات ما يلي:
1 - أشهر حديث في هذا الباب - وهو يشتمل على تقرير كامل عن حجّ رسول الله(ص) - هو حديث جابر بن عبدالله الأنصاري في لقائه للإمام الباقر(ع)، وهو ما رواه مسلم في صحيحه، فإنّه طبقاً لهذا الحديث؛ فإنّ الإمام الصادق(ع) ينقل عن أبيه قال:
«دخلنا على جابر بن عبدالله وهو أعمى فسأل عن القوم حتّى انتهى إليّ فقلت: أنا محمّد بن عليّ بن الحسين، وبعد الترحيب قال لي: مرحباً بك يابن أخي سَلْ عمّا شئت... فقلت: أخبرني عن حجّة رسول الله(ص)؟ فقال بيده فعقد تسعاً، فقال: إنّ رسول الله(ص) مكث تسع سنين لم يحجّ، ثمّ أذّن في الناس في العاشرة، إنّ رسول الله(ص) حاج.. حتّى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: «لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ وليجعلها عمرة».
فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يارسول الله! ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبّك رسول الله(ص) أصابعه واحدة في الاُخرى وقال: دخلت العمرة في الحجّ، مرّتين، لا بل لأبد لأبد 6.
2 - روى أبو سعيد الخدري قال:
«خرجنا مع رسول الله(ص) نصرخ بالحجّ صراخاً فلمّا قدمنا مكّة أمرنا أن نجعلها عمرة إلاّ من ساق الهدي، فلمّا كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحجّ» 7.
3 - سراقة بن مالك
قال لرسول الله(ص): يارسول الله! اقض لنا قضاء قوم كأنّما ولدوا اليوم، فقال: «إنّ الله قد أدخل عليكم في حجّكم هذا عمرة، فإذا قدمتم فمن تطوّف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حلّ إلاّ مَن كان معه هدي» 8.
4 - إنّ عبدالله بن عمر قال:
تمتّع رسول الله(ص) في حجّة الوداع بالعمرة إلى الحجّ، فأهدى وساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله(ص) فأهلَّ بالعمرة، ثمّ أهلَّ بالحجّ، وتمتّع الناس مع رسول الله(ص) بالعمرة إلى الحجّ فكان من الناس من أهدى وساق الهدي ومنهم مَن لم يُهد، فلمّا قدم رسول الله(ص) مكّة قال للناس: «مَن كان منكم أهدى فإنّه لا يحلّ له من شيء حرم منه حتّى يقضي حجّه، ومَن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلّل، ثمّ ليهلّ بالحجّ وليهد» 9.
5 - وعن عائشة أنّها قالت: خرجنا مع رسول الله(ص) لا نرى إلاّ أنّه الحجّ، فلمّا دنونا من مكّة أمر رسول الله(ص) مَن كان معه هدي أن يقيم على إحرامه ومَن لم يكن معه هدي أن يحلّ» 10.
ب- الروايات المقابلة لتشريع حجّ التمتّع: