91وهناك من يقول: إن اجتماع المسلمين في يوم من أيام الأسبوع كان باجتهادهم قبل أن تفرض عليهم صلاة الجمعة، فقد جاء في حديث مرسل عن ابن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي(ص) المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة ، قالت الأنصار: لليهود يوم يجمعون فيه كل أسبوع وللنصارى مثل ذلك، فهلمّ فلنجعل يوماً نجمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة، فصلّى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم، فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم شاة فتغدوا وتعشوا منها، وذلك لقلتهم...
الموسم التالي
في موسم الحج التالي عاد هذا الصحابي المؤمن والداعية الواعي والشاب القرآني وكان معه سبعون رجلاً من القبيلتين الأوس والخزرج، وهم مستخفون لا يشعر بهم أحد، ومعهم امرأتان : نسيبة بنت كعب «أم عمارة» المرأة التي عرفت بثباتها يوم أحد حينما فرّ الرجال ولم يبق معه إلا قليل.. وأسماء بنت عمرو بن عدي..
وما أن وقعت عينا رسول الله(ص) عليه حتى راح يقبله ويضمّه إلى صدره الحبيب:
كيف تركت يثرب يا مصعب ؟
تركتها إسلاماً والحمد لله .. يا رسول الله.
وأخذت الدهشة بعض الحضور !!!
وراح يبين لهم دوره وما بذله من الجهود الكبيرة ليسلم عدد على يديه، كأسيد بن خضير سيد بني عبد الأشهل بالمدينة، الذي جاء شاهراً حربته ويتوهج غضباً وحنقاً على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم فلما أقنعه أن يجلس ويستمع، فأصغى لمصعب واقتنع وأسلم ، وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع، وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة ، وأسلم كثيراً من أهل المدينة ، فقد نجح أول سفراء الرسول(ص) نجاحاً منقطع النظير..
حقاً هذا هو مصعب فقد قام بمهمته خير قيام وقبل حلول موسم الحج عاد رضي الله عنه إلى مكة يحمل إلى رسول الله(ص) بشائر النصر والفوز ويقص عليه خبر قبائل يثرب، وما فيها من مواهب الخير وما لها من قوة ومنعة لنصرة هذا الدين، فسر النبي(ص) وبايع الأنصار في هذا الموسم في السنة الثالثة عشرة من النبوة وكانوا ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين، وبايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم وأولادهم وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى نصرة رسول الله(ص) النصرة التامة وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال قائل منهم:
فما لنا يا رسول الله ؟
قال: «لكم الجنة».
قالوا: رضينا، ثم انتهت البيعة ..
وأذن الرسول(ص) لأصحابه الذين بقوا في مكة بالهجرة إلى يثرب وسماها بعد ذلك المدينة النبوية.
وفي تعداد منازل المهاجرين على الأنصار بعد هجرة المسلمين من مكة إلى يثرب ذكر ابن هشام في سيرته : ونزل مصعب بن عمير بن هاشم أخو بني عبد الدار، على سعد بن معاذ بن النعمان أخي بني عبد الأشهل في دار بني الأشهل.
وكان مصعب أول المهاجرين إلى يثرب كما سيكون أول مبعوث لنبي الله(ص) إليها ليبشر أهلها بالإسلام وقد تعرض لمخاطر كادت أن تطيح به أثناء مهمته الرسالية التبليغية التعليمية لولا فطنته وذكاؤه وحكمته..
قال عنه البراء بن عازب: «أول المهاجرين مصعب بن عمير».
المؤاخاة
راح رسول الله حين وصوله يثرب التي غيّر اسمها إلى المدينة المنورة يؤاخي بين المهاجرين والأنصار.
قال ابن إسحاق : وآخى رسول الله(ص) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال فيما بلغنا، ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل: تآخوا في الله أخوين أخوين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : هذا أخي، فكان رسول الله(ص) سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، أخوين 1...
وبعد هذه المؤخاة التي ابتدأها رسول الله(ص) بنفسه وعلي(ع).. راح يؤاخي بين المهاجرين والأنصار حتى وصل إلى الصحابي: