90فقالا فيما يذكر عنهما : والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم، في إشراقه وتسهله أو وتهلله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهر ثوبك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين .
فقال فاغتسل، وطهر ثوبيه، وشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما : إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بن خضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم .
فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال : كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك . قال : فقام سعد مغضباً مبادراً تخوفاً للذي ذكر له من بني حارثة، فأخذ الحربة من يده ثم قال : والله ما أراك أغنيت شيئاً ثم خرج إليهما فلما رآهما سعد مطمئنين، عرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما فوقف عليهما متشمتاً ثم قال لأسعد بن زرارة : يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني . تغشانا في دارنا بما نكره ! وقد قال أسعد لمصعب: أي مصعب ! جاءك والله سيد من وراءه من قومه إن يتبعك لم يخالف عليك منهم اثنان فقال له مصعب : أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قبلته وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟ قال سعد: أنصفت ثم ركز الحربة فجلس فعرض عليه الإسلام وقرأ القرآن قالا : فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم به في إشراقه وتسهله.
ثم قال لهما : كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟
قالا : تغتسل فتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين، فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق وركع ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل عامداً إلى نادي قومه ومعه أسيد بن خضير فلما رآه قومه مقبلاً قالوا : نحلف بالله لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قال :
يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأياً، وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله.
يقول الراوي : فوالله ما أمسى في دار عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة ..
والذي يبدو لي أن مصعباً حينما عرض الإسلام على سعد وقرأ عليه القرآن انشرح صدر سعد، لأن سعداً كان صاحب ضالة أو كان من الذين يبحثون عن الحقيقة بجد وما أن وجدها في هذا الدين حتى تمسك بها وأخلص لها أيما إخلاص، وهو ما تشهد به سيرته ومواقفه فيما بعد.
وأقام مصعب يدعو إلى الله حتى أنه لم يترك بيتاً للأوس والخزرج إلا وقد دخله صوت لا إله إلا الله...
إمامة مصعب لصلاة الجمعة
هناك من يذهب إلى أن صلاة الجمعة أول ما عقدت في يثرب بعد أن وصلها الصحابي مصعب بن عمير مبلّغاًلله ولرسوله(ص) وحين كتب إليه وهو أول من أوفده من مكة مع المسلمين من الأنصار ليعلمهم ، ثم قدم بعده عبد الله بن أم مكتوم:
أما بعد، فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم ، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله بركعتين.
وعلى هذا يكون مصعب أول من صلى بهم الجمعة في المدينة، وكان عددهم اثني عشر رجلاً ..
وفي خبر عن أبي مسعود الأنصاري، بأن أول من جمع بهم هو أبو أمامة أسعد بن زرارة الذي نزل عليه مصعب بن عمير.
يقول عبد الرحمن بن كعب بن مالك - الذي كان يقود أباه كعباً إلى المسجد - : كنت أقود أبي، كعب بن مالك، حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان بها صلى على أبي أمامة، أسعد بن زرارة .. ومكث حيناً على ذلك لا يسمع الأذان للجمعة إلا صلى عليه واستغفر له. فقلت في نفسي : والله إن هذا بي لعجز، ألا أسأله ما له إذا سمع الأذان للجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة؟
فخرجت به في يوم جمعة كما كنت أخرج، فلما سمع الأذان للجمعة صلى واستغفر له . فقلت له : يا أبت، مالك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة؟
فقال : أي بني، كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت من حرة بني بياضة يقال له : نقيع الخضمات .قلت : وكم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون رجلاً. [هزم النبيت: جبل على بريد من المدينة، أو أنه في قول آخر: المكان المطمئن من الأرض.. والنبيت أبو حي من اليمن اسمه عمرو بن مالك، وحرة بني بياضة قرية على ميل من المدينة، وبنو بياضة بطن من الأنصار والنقيع بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مُدة فإذا نضب نبت الكلأ. 1]
ويبدو أن الجمعة نسبت إلى أسعد لأنه أمير القوم، ومصعب كان في ضيافته وأنه أطعم المُصلين غذاء وعشاء فنسب الأمر إليه..