78واتّفق ذلك في كلام المفيد فاقتفى الشيخ أثره، وليس الالتفات إلى ما حرّرناه ببعيد من نظر المفيد، ولخفائه التبس الأمر على كثير من المتأخّرين، فاستشكلوا كلام الشيخ واختاروا العمل بظاهر خبر علي بن جعفر، إلاّ أنّ جماعة منهم تأوّلوا حكم الهدي فيه بالحمل على حصول الموافقة بعد الذكر، لئلا ينافي القاعدة المقررة في حكم الناسي، وأنّ الكفّارة لا تجب عليه في غير الصيد.
ويضعف بأنّ عموم النصّ هناك قابل للتخصيص فلا حاجة إلى التكلّف في دفع التنافي بالحمل على ما قالوه.
وسيجيء في مشهوري أخبار السعي ما يساعد على هذا التخصيص، ولبعض الأصحاب فيه كلام يناسب ما ذكرناه في توجيه كون التقصير في وقوع مثل هذا النسيان أقوى منه في الجهل.
وفي الدروس روى عليّ بن جعفر أنّ ناسي الطواف يبعث بهدي ويأمر من يطوف عنه.
وحمله الشيخ على طواف النساء، والظاهر أنّ الهدي ندب.
وإذ قد أوضحنا الحال من الجانبين بما لا مزيد عليه فلينظر الناظر في أرجحهما وليبصر إليه.
والذي يقوى في نفسي، مختار الشيخين.
والعجب من ذهاب بعض المتأخّرين إلى الاكتفاء بالاستنابة في استدراك الطواف وإن أمكن العود أخذاً بظاهر حديث علي بن جعفر، مع وضوح دلالة الأخبار السابقة في نسيان طواف النساء على اشتراط الاستنابة بعدم القدرة على المباشرة.
وإذا ثبت ذلك في طواف النساء فغيره أولى بالحكم كما لا يخفى على مُمعن 1 النظر»، انتهى. ولقد أجاد وحقّق ودقّق.
أقول: ولكن العجب منه أنّه لم يلتفت إلى أحاديث الاختصار فإنّها منافية لكون حكم الجاهل حكم العامد فيه كما هو ظاهر على ذوي الأبصار، وحمل ذلك على الناس لا وجه، لأنّه كالجاهل والعامد المختار، وطرحها مع صحتها وحُسنها مع صحيحة علي بن جعفر المخرجة لحكم النسيان وصحيحة عطية الصريحة في أن الجاهل من ذوي الأعذار لا وجه له كما لا يخفى على مقتفي الآثار. وقوله: إن اعذار كلّ منهما على خلاف الأصل بعد ورود قوله عليه السلام: «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان» عجيب غريب، إذ الأصل صار أعذارهما إلا ما أخرجه الدليل، وكون التقصير في النسيان أقوى من الجهل ممنوع وغير مسموع، فيرجع الحال.
وإن قلنا: إن النسيان يلحق بالجهل إلى ما ذكرناه من الجمع من دون اختلال، فلا يجب على المختصر إلا الإتيان بما اختصر وإن كان أمَرَ من يأتي به عنه وأن على الرجوع قدر لما ذكرناه سابقاً لا لما ذُكر. وإرجاع جميع ذلك إلى طواف النساء أبعد من البعيد كما لا يخفى على كلّ ذي رأي سديد.
فإن قيل: لِمَ لا تُحمل أحاديث الاختصار على اختصار الطواف في الحِجر بمعنى أنْ يُجعل الاستقبال والتكبير عنده شوطاً كما في رواية الحسين بن عطية؛ فإن مفادها الأصلي ذلك، واستدلال الأصحاب بها في بعض الموارد كما عرفت تؤيد ذلك، وحينئذ فلا دلالة فيها على المطلوب، ولعل صاحب المنتقى لحظ ذلك فألحق الناسي والجاهل بالعامد.
أو يقال: الإعادة في الأحاديث معناها الإتيان بالشيء في الوقت وذلك لا ينافي البطلان بترك الركن؛ لأنّ المراد أنَّه إذا كان وقته باقياً تمم، فإذا خرج وقته بطل الحج، فلا تدلّ الأحاديث على عدم البطلان فيما لو ترك الشوط وخرج الوقت جهلاً.
قلنا في الجواب عن الأول: بأنه في غاية البُعد... لا يكاد يُراد ويُفهم من الأحاديث، والاستدلال بظاهرها ومع ذلك فتدل على المطلوب حينئذ بطريق أولى؛ لأن مفادها جميعها حينئذ ترك شوط جهلاً فإذا لم يضر لم يضرّ ترك بعضه بطريق أولى، ويجزي ما يجزي عن الشوط الواحد كما لا يخفى.
وعن الثاني بما مرّ سابقاً فتدبّر، فإنه من المشكلات المعضلات والله ولي التوفيق، وبيده أزمة الهداية والتحقيق، وحسن الرعاية والتوفيق، وصلى الله على محمد وآله الهداة إلى سواء الطريق، المخرجين لمن يتمسك بهم في كلّ مضيق، والحمد لله على البداية والنهاية، والشكر له ما دامت الرواية والدراية والجهالة والغواية.
وكتب ذلك المؤلف لطف الله العاملي الميسي، حامداً مصلياً، في أول شوال سنة ألف وعشرين من الهجرة النبوية على مشرفها ألف صلاة وسلام وتحية. بإصبهان حسرت عن النقصان.