13الترتيب الزماني للآيات، وأن الهجرة النبوية المباركة تشكل حداً زمنياً فاصلاً بين مرحلتين؛ فما نزل من القرآن قبل الهجرة يعد مكياً وما نزل بعد الهجرة يعد مدنياً بغض النظر عن مكان النزول 1.
كيفية معرفة المكي والمدني
كما ذكرنا في فقرة بداية هذا العلم، وكما يظهر من بعض ما تيسّر من أقوال عدد من العلماء، أن تحديد سور وآيات أنها مكية وأخرى مدنية، وبالتالي صار عندنا علم خاص يطلق عليه المكي والمدني، هذا لم يكن رسول الله(ص) قد أمر به، ولم يكن تحديد أن هذه السورة أو الآية مكية وهذه مدنية من وظيفة الرسول(ص) ومهامه حتى يبينه، ولكن التعرض لذلك جاء حين البحث حول القرآن، ومعرفة مكيه ومدنيه، وناسخه ومنسوخه.. فهي بحوث أثيرت بعد الرسول، واعتمدت على روايات وشواهد أعانت على هذا التحديد . وإنما يرجع في معرفة المكي والمدني - كما يقول القاضي ابو بكر في الانتصار - إلى حفظ الصحابة والتابعين ولم يرد عن النبي(ص) في ذلك قول؛ لأنه لم يؤمر به ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة، وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ، فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول(ص)، وقد ورد عن الصحابة وعن التابعين أيضاً ما يبين أنهم كانوا مهتمين بزمان ومكان نزول الآيات وبمن نزلت ... وهذا ما تكفلت بنقله مصادر الرواية والتاريخ عند الفرق الإسلامية، وبالتالي فقد كان للروايات والنصوص والشواهد التاريخية دور كبير في الكيفية التي تساعد على معرفة كل من المكي والمدني، فقد راحت تلك الروايات تؤرّخ للسورة القرآنية والآيات من حيث وقت نزولها ومكانه، ولاهتمام المفسرين بهذا الأمر انصبّ جزء من جهودهم لتقصّي تلك الروايات والأخبار حتى يصلوا إلى تحديد السور المكية والمدنية، وكذلك الآيات؛ حتى غدا عملهم هذا ذا أسس ومنهج مما جعله علماً مهماً لا يستغني عنه المفسر بل والفقيه والتاريخي في بحوثه وأنشطته العلمية التي تخصّ القرآن الكريم..
إن متابعة السورة والآية يعد علماً مهماً من علوم القرآن الكريم فلا تجد كتاباً يتناول علوم القرآن إلا وتجد باباً خاصاً يسمى المكي والمدني، وتجد أيضاً تقسيماً للسور والآيات مع ذكر أسماء السور والآيات ومن أي قسم هي من المكي أو من المدني...
ومما ذكر من الروايات قول ابن مسعود : «والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت». وكذلك ما ذكروه من أنه سأل رجل عكرمة عن آية من القرآن فقال: نزلت في سفح ذلك الجبل . وأشار إلى سلع.
ثم ذكر القاضي أيضاً: «كانت العادة تقضي بحفظ الصحابة ذلك، غير أنه لم يكن من النبي(ص) في ذلك قول، ولا ورد عنه(ص) أنه قال: ما نزل بمكة كذا وبالمدينة كذا. وإنما لم يفعله لأنه لم يؤمر به، ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة، وكذلك الصحابة والتابعون من بعده لما لم يعتبروا ذلك من فرائض الدين لم تتوفر الدواعي على إخبارهم به، ومواصلة ذلك على أسماعهم، وإذا كان الأمر على ذلك ساغ أن يختلف من جاء بعدهم في بعض القرآن هل هو مكي أو مدني؟ وأن يعملوا في القول بذلك ضرباً من الرأي والاجتهاد...» 2.
وما دام الأمر ليس من الأمور الشرعية التي لا يجوز مخالفتها أو تكلّفنا البحث عن المراد منه .. وهو بالتالي ليس إلا أن يكون مصطلحاً لا غير، تواضع عليه علماء التفسير - كما يقول السيد الشهيد الصدر - وما من ريب في أن كل واحد له الحق في أن يصطلح كما يشاء...
منهجان في المكي والمدني
ذكر علماء تفسير القرآن الكريم وعلومه أن هناك منهجين اتبعا لمعرفة كلّ من السور والآيات المكية والمدنية:
1 - منهج سماعي: يقوم على النقل، أي يستند إلى روايات الصحابة الذين عاصروا النبي(ص) ومرحلة الوحي وما يأتي به من آيات يلقيها على رسول الله(ص)، وإلى ما ورد عن التابعين الذين تلقوا عن الصحابة وسمعوا منهم نزول الآيات وقتاً ومكاناً..
2 - منهج قياسي اجتهادي: يستند إلى ضوابط و خصائص كل من المكي والمدني، فإذا وردت السورة أو الآية وهي تحمل طابع التنزيل المكي بضوابطه وصفاته أو تتضمن شيئاً من حوادثه قالوا: إنها مكية، وإذا وردت السورة أو الآية وهي تحمل طابع التنزيل المدني، أو تتضمّن شيئاً من حوادثه قالوا: إنها مدنية، وهذا منهج قياسي اجتهادي، ولهذا نجدهم يقولون: كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية فهي مكية، وكل سورة فيها فريضة أو حدّ فهي مدنية، وهكذا في بقية الضوابط والخصائص..
وهذا الجعبري يحدّد ذلك بقوله:
فالسماعي ما وصل إلينا نزوله بأحدهما. والقياسي قال علقمة عن ابن مسعود: كل سورة فيها يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ فقط أو «كلا» أو أولها حروف تهجٍّ سوى الزهراوين (البقرة وآل عمران) والرعد - في وجه - أو فيها قصة آدم وإبليس سوى الطولى (البقرة) أو فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية فهي مكية. وكل سورة فيها حدّ أو فرض فهي مدنية...
الخصائص
ولأهمية هذا العمل ولدقته ذكروا خصائص أو ضوابط لكلّ من المكي والمدني إن توفرت عليها السورة أو الآية درجت تحت واحد من النوعين ذي الخصائص المحددة له.. نعم ذكروا خصائص عديدة إلا أنهم لم يتفقوا على جلّها، فلعل بعضهم ناقش فيها، فيما فند الآخر أكثرها ورفضها غيرهم وقبلها آخرون وهذه جملة منها: