277
المشهد الثاني: الجهاد في سبيل اللّٰه
وَ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللّٰه صلى الله عليه و آله نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبْنَاءَنَا وَ إِخْوَانَنَا وَ أَعْمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلاَّ إِيمَاناً وَ تَسْلِيماً، وَ مُضِيّاً على اللَّقَمِ وَ صَبْراً على مَضَضِ الأَلَمِ وَ جِدّاً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَ لَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَ الآخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا يَتَصَاوَلانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَ مَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَىٰ اللّٰه صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ وَ أَنْزَلَ علينَا النَّصْرَ حَتَّى اسْتَقَرَّ الإِسْلامُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَ مُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ، وَ لَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ، وَ لا اخْضَرَّ لِلإِيمَانِ عُودٌ 1.
المشهد الثالث: الصحابة الصادقون
لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله فَمَا أَرَىٰ أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ، لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً، وَ قَدْ بَاتُوا سُجَّداً وَ قِيَاماً، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَ خُدُودِهِمْ وَ يَقِفُونَ على مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ، كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَىٰ مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ، إِذَا ذُكِرَ اللّٰه هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، وَ مَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ وَ رَجَاءً لِلثَّوَابِ 2.
أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الإِسْلامِ فَقَبِلُوهُ وَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ، وَ هِيجُوا إِلَى الْجِهَادِ فَوَلِهُوا وَلَهَ اللِّقَاحِ إِلَى أَوْلادِهَا، وَ سَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا وَ أَخَذُوا بِأَطْرَافِ الأَرْضِ زَحْفاً زَحْفاً وَ صَفّاً صَفّاً، بَعْضٌ هَلَكَ وَ بَعْضٌ نَجَا، لا يُبَشَّرُونَ بِالأَحْيَاءِ وَ لا يُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتَىٰ، مُرْهُ الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ، خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ، ذُبُلُ الشِّفَاهِ