182والأعداء لا يريدون لهذا التآلف أن يتم ، ولا يفرحهم الاتفاق بين العدوّين التاريخيين ، حقاً كانت المسؤولية صعبة ، والمهمة خطيرة ، إلاّ أن هذا الشاب وفّق في عمله أيّما توفيق .
كيف تركت يثرب يا مصعب ؟
تركتها إسلاماً والحمد للّٰه. . يا رسول اللّٰه !
وأخذت الدهشة ترتسم على جباه بعضهم: وكيف ذلك ، ومنذ فترة كنا بيثرب يا رسول اللّٰه ، ومازال اليهودي يهودياً والمشرك مشركاً والعداء بين الأوس والخزرج مستحكماً!
فيما راح مصعب يواصل إجابته: ألحمد للّٰهيا رسول اللّٰه! ما تركت بيتاً في يثرب إلاّ ويتحدث بالإسلام ويتلو القرآن .
وخرجوا بعد مضي ثلث ليل بهم مستخفين ، يتسللون حتى اجتمعوا بالعقبة ، وبسطوا أيديهم لرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله مبايعين ، وهم يقولون: بايعنا على السمع والطاعة في يُسرنا وعسرنا ، في النشاط ، والكسل ، وعلى النفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وعلى أن نقول في اللّٰه لا تأخذنا فيه لومة لائم ، وعلى نصرتك إذا قدمت علينا يثرب ، نمنعك مما نمنع منه أنفسنا ، وأزواجنا ، وأبناءنا .
وهكذا راحت هذه البلدة الطيبة تبدأ حياةً جديدة ، بحلة جديدة ، وعهد رائع ، ودين خالد؛ فما إن حلّ نهار يوم الجمعة من شهر ربيع الأول حتى علت أصواتهم رجالاً ونساءً ، صغاراً وكباراً بأنشودةٍ تبشر بقدوم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله ، وتبتهج بطلعته المباركة عليهم ، وتنطلق أنشودتهم الجميلة والبسمة تعلو جباههم وشفاههم :
طلع البدر علينا
إذن ، هاجر رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إليهم ، و أطفأ العداوة بين القبيلتين نهائياً ، وصاروا بفضل اللّٰه إخواناً «. . . وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدٰاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوٰاناً . . .» ، وبدأت صفحة جديدة من تاريخ يثرب ، إنه تاريخ المدينة المنورة «وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مٰا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » 1.