180فقال أياس بن معاذ - وكان غلاماً حدثاً - : هذا واللّٰه خير مما جئتم له . . . وإذا بأبي الحيسر ، أنس بن رافع ، يأخذ حفنة من البطحاء ، ويضرب بها وجه أياس بن معاذ ويقول له: دعنا منك ، فلعمري لقد جئنا لغير هذا؛ فصمت أياس ، وقام رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله عنهم وانصرفوا إلى المدينة .
وكان أياس هذا أصغر قومه إلاّ أنه يتمتع بعقل كبير وأدرك ما سيؤول إليه الأمر ، إذا لم يأخذوا بما عرضه عليهم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله ، وبه إنقاذهم من الدمار والهلاك الذي وقع فعلاً بعد عودتهم إلى يثرب ، حيث وقعت حرب بعاث بين الأوس والخزرج ، وقد حلّت الهزيمة بالأوس أول الأمر ، ثم دارت الدائرة على الخزرج ، ووضع فيهم السلاح حتى صاح من صاح:«يا معشر الأوس ، أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم ، فجوارهم خير من جوار الثعالب». ويقصد بهم اليهود الذين مالبثوا يذكون نار الفتنة بين الفريقين سنين طويلة ؛ ولم يسكت غضب الأوسيين حتى أضرموا النار اللاهبة في دور الخزرجيين ونخيلهم .
ويقول الطبري عن أياس: ثم لم يلبث أياس بن معاذ أن هلك .
قال محمود بن لبيد: فأخبرني من حضره من قومي عند موته : إنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل اللّٰه ويكبره ويحمده ويسبحه ، حتى مات ، فما كانوا يشكّون أن قد مات مسلماً ، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس ، حين سمع من رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله ما سمع .
وبعد تلك الواقعة سئموا الحرب ، وكرهوا الفتنة ، وأجمعوا أن يتوّجوا - بتشديد الواو - عبد اللّٰه بن أبي بن سلول ملكاً عليهم ، ليستقروا ويأمنوا ، وتنتهي الفتن والمعارك بينهم .
حقاً ، لقد أحب اليثربيون محمداً رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله ، ومازال هو في مكة المكرمة .
أحبوه حباً عظيماً منذ أن وفقوا لرؤيته ، وشاء اللّٰه أن يشارك عدد من القبيلتين في بيعة العقبة الأولى ، ثم في العقبة الثانية في مكة ؛ فكان ذلك بداية لتأليف قلوبهم