142منتشرة من جدّة إلى مكة ، في السهول وعلى رؤوس الجبال ، ينفخون في بوقاتهم ، فيجيبهم الآخرون ؛ ولكن هؤلاء العساكر لا يفترون عن سرقة ما يمكنهم من أمتعة الحجّاج ؛ وصادف أنّه بينما نحن نسير ، إذا بامرأتين من رفقائنا راكبتين في خشب شامي وقف بهما البعير عجزاً عن السير ، وأباعر الحجاز دقيقة الساق لا تقوى على حمل الخشب الشامي ، فنزلت أنا ورفيقي نمشي وأركبناهما مكاننا إلى بحرة ، فوصلناها بعد الغروب .
بحرة
وهي في وسط الطريق بين جدّة ومكة ، وكلّها قبائج مملوءة من القراد الذي يلتصق بالأجساد ، وماؤها كماء جدّة ، وليس فيها مسكن إلا أرض محاطة بقصب ونحوه ينزل فيها الحجاج ، ويبذل لهم أهلها الماء والضياء والحطب لقاء دراهم يأخذونها ، وقد أتونا قريباً من نصف الليل بوجوههم السوداء الكالحة ، بأيديهم المشاعل ، وعلى متونهم البنادق ، وجعلوا يوقظون الحجّاج بعنف وإزعاج ، وقد أخذهم النعاس ، وأضناهم التعب ، ويطلبون منهم أجرة ويشتطّون في المقدار ، ويعنّفون بالناس كأنّهم يأخذون جزية ، وكأنّهم زبانية جهنم أو منكر ونكير ؛ ومن لم يدفع لهم كما طلبوا ، وهو أضعاف ما فُرض لهم ، أوسعوه شتماً ، بل وضرباً إن تمادى في الامتناع ؛ وإذا هدّدهم بالحاكم ، سبّوه وسبّوا الحاكم ، فقبحوا من قوم سوء .
ثم سرنا من بحرة صباحاً ، فوصلنا مكّة عند العصر ، وقد سلبت في هذا الطريق قوافل قبلنا وبعدنا ومعنا ، وجرى قتل ونهب في أكثر الأوقات ، أما نحن فلم نر شيئاً من ذلك ، والحمد للّٰه.
حدود الحرم
هناك أحكام تتعلق بحدود الحرم والمشاعر ، منها حرمة الدخول لغير المحرم ، ولزوم الوقوف في نفس عرفات والمكث في المزدلفة والمبيت في منى ، وكلّها لها