13طويلة ، نعم ، من الممكن لدولةٍ في الحجاز مع عاصمة مثل الرياض أن تقوم ببعض ألوان الظلم الفردي أو الاجتماعي ، إلّا أنّه لا يمكن في مكّة ممارسة ظلمٍ إلحادي ذي صبغةٍ كافرة ، ذلك أن الآية الشريفة: «وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحٰادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ » 1، تهدّد من يقوم بذلك ، أي بالظلم الإلحادي ، لا غيره ، وفي خصوص الحرم لا خارجه ، والظلم الحقوقي بالأشخاص الحقيقيين أو الحقوقيين مغايرٌ للظلم الإلحادي الذي يصاحبه كفرٌ وإلحاد .
وحصيلة الكلام ، ليست مكّة كالجنة لا يقع فيها معصية أو انحراف 2، إلا أنّها - مع جريان أحكام الدنيا عليها - تمتاز عن كثير من البقاع في الأرض ، ومن جملة هذه الامتيازات أنّه لو أراد بها شخص سوءاً عن ظلم وكفر فسوف يلقى عذاباً شديداً 3.
ومن الجدير ذكره ، أنّ الأمن التكويني للحرم نسبيّ بلحاظ مكّة ، ونفسيّ بلحاظ الكعبة ، بمعنى أنّه من الممكن للّٰهتعالى أن يعاقب في مكة لينبّه الكافرين والمذنبين ، إلّا أنّه لا يمكن لأحد أن يواجه أصل الكعبة - وهي قبلة المسلمين ومطافهم - وإذا ما خرّب بعض المعاندين في بعض حقب التاريخ البشري الكعبة فهو لكي يلقوا القبض على بعض المتحصّنين بها ، لا لمواجهتها ومحاربتها نفسها ، من هنا أقدموا مرّتين على إعادة بنائها .
2 - الأمن التشريعي
يجمع دعاء النّبي إبراهيم عليه السلام ، والذي طلب فيه من اللّٰه سبحانه الأمن والخير الإقتصادي لمكّة وساكنيها ، بين التكوين والتشريع ، قال تعالى: «رَبِّ اجْعَلْ هٰذٰا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرٰاتِ » 4.