279وجعل العنوان الجامع لموضوعات ومسائل العمل هو «النية» ، وجعلها مقياساً للاتجاه العام : «إنما الأعمال بالنيات» ، «ولكل امرء ما نوىٰ»
وإذن ، فللنية فعاليتان ، الأولىٰ : تصبّ الشعور الفوضوي في قالب واحد واضح يمكن التلفّظ به ، والثانية : تنسج موضوعات العمل في لوحة واحدة متماسكة . لو وصفَ للنية في الخارج سوىٰ كونها موجّهاً قلبياً للنشاط وهذا جعلها في موقع حسّاس . ولهذا اقترنت بشكل خاص بأداء العبادات ، فالأخيرة لا تنعقد إلّا بها ، ولا تتسامى إلا بحضورها النوعي .
إنها في العمل العبادي ليست كأيّ شرط أو واجب أو ركن ، ورغم أنها تقع لفظاً «قلبياً» في موقع معين في العبادة وكالعادة يفتتح العمل بها إلّا أنهاتتدرج وتتنامى مقطعاً تلو الآخر حتى اللقطة الأخيرة من المشهد العبادي أو لوحة العمل الاجتماعي الصالح . . . إنها تماماً كالهواء . . . وكالشهيق إذ يطرح في كل لحظة زفير الشوائب والمحترقات ، وفي الوقت نفسه يضيف صفاءً ودماً وحركة وأنسجةً حيّة حتىٰ يَتَخَلق العمل خلقاً جديداً بكيان رشيد وذي استحقاق واقعيٍّ .
مناسك الحج ودائرة الحج الكبرىٰ تنطلق معها النيّة على مستويات عدة أهمها :
أولاً : قُبَيْل الاستطاعة الفعلية 1 ، وفيها تبدأ العزيمة وأولىٰ خطوات الاقتداء بعمل السلف ويرافق هذا الاستعداد قلق وحوار ذاتي أو على شكل حوار « KOLIAD » مع الآخر ، وفيها الإنسان يحدّث نفسه بالشعور البدائي البسيط وفي أثناءها ينقّب عن أقرب الوسائل للاستطاعة ، بمعنىٰ أن هذا الشعور يشترك مع دوافع أخرىٰ بتحديد مبررات الحج وإمكانيته . يستغرق الإنسان في هذا المستوىٰ بجزئيات المقدمات والضروريات التي تتناسب مع الموضوع .
ثانياً : عند الاستطاعة الفعلية ، وهنا يقرر الإنسان العزيمة على الرحلة ويتقدم