149
من ترميم وإصلاح على مرّ التاريخ. كما يصف محلات مكة التجارية وأسواقها وأدق التفصيلات الأخرى عن حاراتها ومطوّفيها وسفوحها، وأجهزتها الإدارية، وأماكنها التاريخية.
قدّر بيركهارت عدد سكان مكة في غير مواسم الحج، بخمسة وعشرين إلى ثلاثين ألف نسمة، ثم يقول: «إن مكة كان بوسعها، في تلك الأيام، أن تسكن ثلاثة أضعاف هذا العدد من الحجاج أيضاً» . ويضيف في حديثه عن السكان أن جلّهم غرباء وأجانب عنها. من أهالي اليمن و حضرموت. وكان يليهم في العدد أبناء الهنود والمصريين والسوريين والمغاربة والأتراك. وكان هناك أيضاً مكّيون من أصل إيراني وتاتاري وبخاري وكردي. ومن كل بلد مسلم آخر تقريباً.
في منتصف يناير 1815م، غادر بيركهارت مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.
ومن سوء حظه أنه وقع مريضاً بمرض البرداء (الملاريا) ، حتى أصابه اليأس من نفسه. وظنّ أنه سيقضي نحبه في المدينة فيقبر فيها. لكنه مع ذلك استطاع أن يكتب عدّة فصول عنها في الجزء الثاني من رحلته. غير أن هذه الكتابات بقيت أقل شموليّة من كتاباته عن مكة.
وفي صبيحة يوم الخامس والعشرين من يوليو 1853م، وصل المدينة المنورة بريطاني متنكِّر باسم «الحاج عبداللّٰه» ، ليغدو هو الآخر أحد أبرز الرحّالة الأوروبيين الذين استشرقوا.
ولم يكن هذا (الحاج) سوى السير ريتشارد فرنسيس بيرتون الذي كان يعمل موظفاً في شركة الهند الشرقية المعروفة، ورحل إلى إفريقيا والهند وسوريا وشمال إفريقيا والبرازيل وجزيرة العرب التي ظلّت بين هذه جميعاً - كما قال هو نفسه -: «البلاد التي تولّعت بها» .