50ثمّ قال في مكان آخر في تفسيره: المستفاد من سياق قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ أنّه الإفاضة من المشعر الحرام إلى منى؛ لأنّه تعالى ذكر الوقوف بعرفات والإفاضة منه، فيكون كلاماً مستأنفاً، لا أن يكون تأكيداً للإفاضة من عرفات.
ويختم السيّد كلامه بقوله:
والتأسيس خير من التأكيد لكثرة الفوائد فيه 1.
هذا، وصاحب كنز العرفان في فقه القرآن - بعد أن ذكر القولين:
الأوّل: إنّه إفاضة عرفات، والثاني: إنّه إفاضة المشعر، قوّى الثاني حيث قال: وهو الذي يقوى في نفسي؛ لأنّه ذكر إفاضة عرفات أوّلاً، فوجب كون هذه غير تلك تكثيراً للفائدة بتغاير الموضوع، وأيضاً يكون «ثمّ» على حقيقتها من المهملة والترتيب، فيكون «أفيضوا» معطوفاً على «اذكروا» ، والمهملة هي من أوّل الوقت إلى آخره.
واستمرّ كلامه قائلاً: وعلى القول الأوّل ما معنى الترتيب هنا؟ قيل في الكلام تقديم وتأخير - كما ذكرنا تقديره - قال عنه: وفيه ضعف، وقيل معناه تفاوت ما بين الإفاضتين، وأنّ إحداهما صواب والاُخرى خطأ، والتحقيق هنا أنّ التراخي كما يكون في الزمان يكون في الرتبة أيضاً كقوله: كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ التكاثر: 3 - 4.
فإنّ مراتب العلم متفاوتة بحسب حال النفس في البُعد عن العوائق كذلك نقول هنا: إنّ مطلق الإفاضة المأمور به أوّلاً يقصر رتبةً عن الإفاضة المقيّدة المأمور بها ثانياً 2.