49إيجاب للإفاضة المعهودة بين الناس، وبعد ذكر الإفاضة من عرفات يستفاد أنّه إفاضة إلى منى، بعد الوقوف في المزدلفة. فيكون قد ذكر سبحانه الوقوفين، أحدهما بالصراحة، وهو الوقوف بعرفات والإفاضة إلى المزدلفة بقوله تعالىٰ: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ والآخر بالملازمة، وهو الوقوف في المشعر الحرام والإفاضة منه إلى منى، فتكون (ثمّ) على الحقيقة؛ لوجود التراخي الزماني بين الإفاضتين.
ويواصل كلامه بقوله: «وفي ذلك خلافُ ما كانت عليه قريش وحلفاؤها، الذين هم (الحمس) فإنّهم كانوا لا يقفون بعرفات ترفّعاً، بل بالمزدلفة، وكانوا يقولون: نحن أهل حرم اللّٰه لا نفارق الحرم، وكانوا يمنعون الناس من أن يفيضوا معهم من المزدلفة» .
فأثبت سبحانه إفاضتين ووقوفين؛ لأنّ الإفاضة لا تكون إلّابعد وقوف، ولو بمقدار الذكر، ويدلّ على ما ذكرنا بعض الأخبار. . .
ثمّ قال السبزواري: وقيل - وعليه أكثر المفسّرين -: إنّ المراد الإفاضة من عرفات كما كان عليه دأب الناس، فأمر اللّٰه تعالى أولئك العرب الذين كانوا لا يقفون مع غيرهم في عرفات، وبذلك يكون تشريعاً للوقوف بعرفات، وأنّ الكلام بمنزلة الاستدراك بعد قوله تعالىٰ: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ، وتكون «ثمّ» دالّة على التراخي الرتبي، والخطاب مع قريش فقط.
وبعد ذكره لهذا الرأي، قال السيّد: ولكن فيه نظر، فإنّه بناءً علىٰ ذلك تكون الجملة تكرار اًلمفاد الجملة الأولى، و هولا يليق بكلامه تعالى، فلا بدّ من حمل الإفاضة:
إمّا على الإفاضة من المشعر إلى منى - كما ذكرنا -.
أو حملها على كيفيّة الإفاضة في الإفاضتين، بأن يكون المفيض على هدوء ووقار بلا تهجّم، وللإعلام بأنّ الإفاضة المطلوبة هي الإفاضة المشروعة، فإنّها هي من رحمة اللّٰه تعالى.