187التمثيل الحيّ للميثاق الذي ارتضته الشريعة الإسلاميّة وأمضته في التعامل مع كلّ الفئات الاُخرى الدينيّة وغيرها، التي لم تنضمّ للدِّين الجديد ولم تعلّق مواقفها عليه، والذي حلّ بين ظهرانيها، مراعياً حقوقهم جميعاً ومبيّناً واجباتهم وما عليهم الالتزام به.
فاليهود الذين كانوا الأبرز والأظهر وجوداً بما يمتلكونه من نشاط اقتصاديّ عريق، قد يكونون عرضة للاعتداء، إلّاأنّ التاريخ لم يسجّل لنا أيّ حالةٍ من حالات الاعتداء عليهم، فبقيت نفوسهم وأموالهم وأعراضهم في أمنٍ وسلام، بعيدة عن أيّ شيء يعكّرها أو يقلقها، ما داموا مسالمين غير عابثين بأمن الدولة وغير مخالفين لما ارتضوه من الصحيفة وبنودها، التي لم تكن وحياً نازلاً عليهم من السماء، بل كانت ثمرةً وحصيلةً لما دار من تفاوض حرّ نزيه بينهم وبين الرسول صلى الله عليه و آله ومعه المسلمون، فكانت بنود هذه الصحيفة مبعث رضا الأطراف جميعاً، واندرجت بعد ذلك - من خلال ما يترتّب عليها من الالتزام - تحت عنوان الوفاء بالعقود والعهود والمواثيق.
إذن: تمخّض عن هذا الاتّفاق وضع اجتماعي متوازن بين المسلمين واليهود، ولم نعثر على أيّ خلل فيما يسمّى بالنسيج الاجتماعي بالرغم ممّا كان يمارسه اليهود من أفعالٍ لتنفيس أحقادهم على الدِّين الجديد ومنتسبيه، وبالرغم من كلّ التحالفات السريّة التي أبرموها مع منافقي المدينة في الداخل وأعداء الإسلام في الخارج، فكانت لهم علاقات مشبوهة وعهود تآمريّة مع مشركي قريش وزعمائها.
فيما لم يقم المسلمون بأيّ عمل مخلّ ببنود هذه الصحيفة، بل راح رسولاللّٰه صلى الله عليه و آله - مع معرفته بنواياهم ومؤامراتهم وأعمالهم الخبيثة - يكثر من استقبالهم والاستماع إليهم ويحلّ مشاكلهم، ويرجعهم إلى ما عندهم من أحكام