٩٨فقيل: ربطت بين بعيرين، ووخزت في قبلها بحربة، وقالوا: إنّك أسلمت من أجل الرجال وقتلت، وقتل ياسر، وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام، وأول شهيدين.
وأما عمّار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً.
فقيل: يا رسول اللّه، إنّ عماراً كفر.
فقال: كلا إنّ عماراً ملئ إيماناً من فرقه إلى قدمه، أو من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه.
فأتى عمار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يبكي، فقال صلى الله عليه و آله: ما وراءك؟
فقال: شرّ يا رسول اللّه، ما تُركتُ حتى نلتُ منك، وذكرتُ آلهتهم بخير.
فجعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يمسح عينيه، ويقول: «مالك إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» وعلى رواية: قال صلى الله عليه و آله له: كيف كان قلبك؟
قال: كان مطمئناً بالايمان. . . فأنزل اللّه فيه الآية ١.
فاستثنت الآية من صبّ عليه الإكراه، وكان قلبه ينبض بالإيمان، فنطق كلمة الكفر اتقاءً لشرّهم، وتخلّصاً من عذابهم، لا لشيء غير هذا.
وراح عمار يواصل جهاده المرير حتى قتلته الفئة الباغية، معاوية وجنده، وهو ما أمّله به رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقوله: «تقتلك الفئة الباغية» ، وقد تجاوز التسعين من عمره.
ولا ريب في أنّ ظاهر الآيتين المذكورتين، بل صريحهما يدلّ دلالة واضحة على مشروعية التقية وجوازها عند الخوف والاضطرار، وليس حكمها منحصراً بمورد نزولها أو بعصر دون آخر، وإنما حكمها مستمر طالما هناك ضرورة للاستعانة بها، واضطرار لا يدفع إلّابها.