37صدورهم من غارات الغرباء على بلادهم حتّى بلغت أرواحهم التراقي؛ ذهبت إلى أنّ الاستعداد بلغ من نفوس المسلمين حدّاً يوشك أن يكون فعلاً. . .» .
كانت دعوة الشيخين الأفغاني وعبده دعوة للنهوض والتوحّد، وقد انطلقت من باريس عبر «العروة الوثقى» ، لكنّها كانت ترى أنّ المآل ينبغي أن يكون في مكّة ومنها، لأنّها مهوى أفئدة المسلمين. والمعروف أنّ «العروة الوثقى» لم تصدر غير تسعة أشهرٍ من عام 1884م. بعدها عاد محمّد عبده إلى بيروت، ثمّ سُمح له بالعودة إلى وطنه عام 1888م.
أمّا جمال الدين فتردّد بين باريس ولندن وروسيا وإيران إلى أن قبل عام 1892م دعوة السلطان عبد الحميد للإقامة والتحرّك من اسطنبول. وقد بقي هناك حتّى وفاته عام 1897م. ولا نعلمُ شيئاً محقّقاً عن مآلات فكرة المؤتمر لديه؛ فالمعروف أنّ السلطان ما كان يحبّذ انعقاد مؤتمرٍ للبحث في شؤون المسلمين لا في مكّة ولا في اسطنبول (15) . بيدَ أنّ هناك من قال: إنّ السلطان كلَّف الأفغاني بالعمل على توحيد الكلمة بين الشيعة والسنّة، وأنّه حاول الوصول لذلك عن طريق مؤتمرٍ لفقهاء الطرفين (16) .
أمّا المخزومي الذي كان يحضر مجالس السيّد جمال الدين في اسطنبول، ويسجّل خاطراته، فينقل عنه دعوته للجامعة الإسلامية، لكن دونما مرور بفكرة المؤتمر من أجل ذلك (17) .
على أنّ فكرة مؤتمر الحجّ بمكّة، بقيت حيّة فيما يبدو، لدى محمّد عبده (1849- 1905م) تلميذ جمال الدين.
ففي العام 1897م عُيّن محمّد عبده مفتياً لمصر. وفي السنة اللاحقة آزر المفتي الجديد السيّد محمد رشيد رضا (1865- 1935م) ، الشابّ المتحمّس الآتي إليه من طرابلس الشام، دعمه وآزره في تأسيس مجلّة المنار، التي سُرعان ما أصبحت أهمّ المجلّات الصادرة في العالم الإسلامي.
وفي مجلّد المجلّة الأوّل دعا السيّد محمّد رشيد رضا لتأسيس جمعية إسلامية بمكّة لها فروعٌ في سائر أنحاء